العدد 1451 /3-3-2021

دخلت بكركي المعترك من بابه العريض واستجابت الى رغبة بعض أطراف قوى الرابع عشر من أذار باﻹستعانة بالشارع . ولم يكن هذا الشارع لا ساحة الشهداء ولا اوتوستراد جل الديب بل كان باحة بكركي التي خاطب البطريرك بشارة الراعي خمسة عشر ألف محتشد وفق تعداد البطريرك نفسه . ولا أعرف ما هو المقصود بهذا التعداد الذي ينم عن تواضع في أرقام الجماهير المحتشدة ، أو كأن بكركي تقول أن هذه هي البداية اﻷولية في عرض القوة الشعبية وأن القدرة على مضاعفة الحشد قائمة ... وأن ما حصل يوم السبت الماضي في السابع والعشرين من شباط لم يكن الا بداية يمكن تليها خطوات قوية وحاسمة .

لا يغيب عن بال البطريرك ولا الكنيسة المارونية ولا الساسة المسيحيين أن دولة لبنان الكبير قد نشان في كنف البطريرك الماروني الحويك الذي قصد قصر فرساي في العاصمة الفرنسية في عام 1919 إثر إنتهاء الحرب العالمية اﻷولى . وحين كان يتم رسم الخرائط بين الكبار من القوى الدولية الظالمة التي انتجت سايكس بيكو ووعد بلفور . وهكذا يمضي البطريرك بقوة نحو طرح المؤتمر الدولي غير عابيء بكل مخاطر اﻹنقسام الداخلي حول هذا الطرح ، الذي يسعى الى التخفيف من وطأته عبر القول بأن طرح المؤتمر الدولي لا يعني بأي حال من اﻷحوال تدخلا عسكريا أو أمنيا على الساحة اللبنانية . ويرد المعارضون بالقول أن لا حدود للتدخل الخارجي بين السياسي والعسكري ، فعندما يفتح باب التدخل السياسي فإن ذلك قد يستتبع تدخلا عسكريا في أزمان لاحقة وبعد أن يتم إحباط التدخلات السياسية . ويجزم البعض المراقب أن أي مؤتمر دولي يعقد من أجل لبنان سيشكل نسفا للطائف في ما هي وثيقة سياسية تحولت الى دستور أقره المجلس النيابي اللبناني في مطلع التسعينات من القرن الماضي . كما أن هذا المؤتمر سيفضي على اﻷرجح الى فيدرالية ما حتى ولو أتت على شكل لا مركزية إدارية موسعة ، ولكنها تتضمن بعدا تقسيميا مضمرا لا يمكن إنكاره أو استبعاده . وتبدو المحصلة السياسية للدعوة الى عقد مؤتمر دولي يسعى الى إعلان حياد لبنان ، إنقسامية بإمتياز حيث يظهر في طليعة المتحمسين لهذا الطرح حزب القوات اللبنانية ومسيحي الرابع عشر من أذار. يليهم تيار المستقبل الذي لم يتخذ موقفا واضحا حتى هذه الساعة . أما الحزب التقدمي اﻹشتراكي فإنه يرحب بالمؤتمر المذكور دونما حماسة بالغة خشية المضاعفات الطاعنة بوطنية كل الضالعين في هكذا مشروع .

وتجدر اﻹشارة هنا أن موقفي تيار المستقبل والحزب التقدمي اﻹشتراكي من المؤتمر الدولي ينطلق من اللحظة السياسية التي تشهد صراعا سياسيا مع الفريق الآخر حول تشكيل الحكومة وميزان القوى داخلها وكل ما يتصل بالخلاف حول السياسة الخارجية اللبنانية في الموضوع اﻹقليمي المتشعب .

لم يكن الحشد في باحة بكركي حاسما في قوته الشعبية ، ولم يتمكن من إيجاد صلة وصل ثابتة مع محاولات إعادة إيقاد شعلة ا"لثورة" بمناسبة بلوغ الدولار سعر صرف العشرة آلاف ليرة لبنانية . ومازال الفريق اللبناني اﻵخر على أرجحية قوته حتى إشعار آخر . وهذه ليست نشرة لﻷحوال الجوية ، بل إنها محاولة لقراءة آخر تفاصيل المشهد السياسي اللبناني البديع . والله ولي التوفيق .

أيمن حجازي