العدد 1452 /10-3-2021

مع تجاوز دولار السوق السوداء في لبنان عتبة العشرة آلاف ليرة عاد الشارع الى الواجهة ، ودفعت ضحالة الجماهير غير المندفعة الى هذا الشارع البعض الى التركيز على قطع الطرق بوسائل غير جماهيرية . وأمام عجز السلطات السياسية والحكومية والمالية في معالجة الوضع ، وحيال العقم في إيجاد مخارج لوضع الولادة الحكومية المتعسرة ، طرأت على الساحة السياسية معضلة قد يعتبرها البعض مدخلا الى حل مفقود لﻷزمة الملتهبة منذ 17 تشرين اﻷول 2019 .

وقد برزت هذه المعضلة عندما ألقى قائد الجيش العماد جوزيف عون كلمة شاملة أمام ضباطه أعرب فيها عن رفضه المساس بحرية الجماهير الغاضبة والمتألمة من جراء الوضع اﻹقتصادي الخانق الذي تعيشه اﻷكثرية الساحقة من اللبنانيين . فضلا عن مجاهرته بالشكوى من السلطة السياسية التي دأبت على تخفيض موازنة الجيش ، وتقديمه التبريرات التي تدفعه الى قبول الهبات اﻷجنبية المقدمة للجيش كي يسد حاجات الجيش المتعددة . وغامزا من قناة الراغبين بالتدخل بشؤون الجيش اللبناني . وقد تفاعلت كلمة قائد الجيش المشار اليها إيجابيا وسلبيا وفق الحسابات السياسية المتضاربة ووفق تحليلات اجتمعت على التمسك بدور الجيش التوحيدي ولكنها افترقت عند تفسير اﻹعلان عن عدم قبول المساس بحرية المحتجين في الشوارع .

جاء الترحيب " بحياد " الجيش من قبل قوى سياسية داعمة للحراك الشعبي القائم ، وهي قوى في معظمها مناهضة للرئيس ميشال عون وللجبهة المؤيدة للرئيس وفي مقدمها حزب الله . في الوقت الذي سعى فيه البعض الى إثارة المخيلة التي تعود قرابة سبعين عام الى الوراء عندما رفض قائد الجيش آنذاك الجنرال فؤاد شهاب تولي قمع المظاهرات التي عمت البلاد سعيا وراء إسقاط الرئيس بشارة الخوري وإنهاء ولايته الممدة . وكان ذلك الموقف الذي اتخذه الجنرال شهاب ، قد مهد الطريق بشكل فاعل نحو وصوله الى سدة الرئاسة اﻷولى عام 1958 وهو نفس التاريخ الذي وصل فيه الجنرال ديغول الى سدة الرئاسة اﻷولى في فرنسا . وقد بدأت بعض الشخصيات اﻹعلامية اللبنانية التي تطمح الى ممارسة أدوار سياسية ما الى إبراز خطاب قائد الجيش وكأنها خطوة إنقاذية تحمل في طياتها ملامح التناغم مع الحراك الشعبي المتعثر . وقد سعى البعض الى تنصيب أنفسهم ناطقين بإسم قيادة الجيش والمتحدثين عن الدور السياسي اﻹنقاذي المزمع اللجوء إليه . وذلك قبل أن تتضح نوايا الجنرال جوزيف عون الذي قد لا تتجاوز القضية لديه أكثر من إطلاق صرخة للتحذير والتنبيه من خطورة الوضع . ولا يستبعد في هذا اﻹطار أن يكون لدى البعض رغبة أو مصلحة في دفع الوضع نحو شرخ جديد بين السلطتين السياسية والعسكرية في البلاد بدلا من البحث عن وسائل فاعلة لرأب التصدعات القائمة في الجسد اللبناني المتفسخ . وقد قابل هذا الفريق المتحمس ﻹيجاد دور سياسي مستجد للقيادة العسكرية اللبنانية ، فريق آخر متوجس من خطاب قائد الجيش وساعيا الى تحريض الرئاسة اﻷولى وحلفائها الى التعاطي مع موقف الجنرال جوزف عون وكأنه لون من ألوان التمرد على السلطة السياسية التي تملك الحق الدستوري في تحديد السياسة الدفاعية للجيش اللبناني او بلغة أخرى التأكيد على النص الدستوري الذي يقول بأن رئيس الجمهورية هو الذي يقود القوات المسلحة اللبنانية . وذهب بعض هذا الفريق المتوجس الى حدود الغمز من علاقات إيجابية قائمة بين قيادة الجيش وبين اﻹدارة اﻷميركية التي تكرر في أكثر من مناسبة تأييدها ودعمها للجيش اللبناني ولﻷدوار التي يقوم بها حيال القرارات الدولية وحيال الحسم الذي اعتمد في معركة الجرود قبل بضع سنوات .

وقد اعتبر البعض أن ما نشهده في هذا المضمار يشكل إفتتاح مبكر لمعركة رئاسة الجمهورية التي يفترض أن تحدث في خريف العام المقبل . في الوقت الذي تهدد فيه المخاطر الحالية وحدة الوطن والجمهورية والكيان مما قد لا يسمح بإجراء أي من اﻹنتخابات الرئاسية أو النيابية أو البلدية ... وكلها إستحقاقات تنتصب في واجهة العام المقبل المثقل بكل كوارث العام اللبناني الحالي والسابق من تاريخ هذا البلد .

كان لبنان في سابق عهده غنيا بالساسة واﻹعلاميين القادرين على فكفكة وحلحلة العقد الكبيرة وتذليلها . أما لبنان اليوم فإنه يشهد وفرة في عدد اﻹعلاميين والسياسيين المتحمسين ﻹستيلاد التعقيدات وإغراق الساحة بكل ما هو سلبي ومدمر في علاقات أركان السلطات المتنوعة لعل ذلك يوصل أحدهم الى هذا المنصب أو إستلام تلك الحقيبة ... دون أن يعلم هؤلاء أن المناصب والحقائب قد تتساقط مع المتساقطين المفترضين .

أيمن حجازي