العدد 1502 /2-3-2022

في زمن الحروب الكبيرة تتضاءل الحسابات المحلية الضيقة ، إلا في لبنان حيث الساسة اللبنانيون لا يتورعون عن توظيف الأحداث الكبرى في خدمة مصالحهم التي يتم تظهيرها أمام الجماهير " الغفورة " وكأنها مصالح طوائفهم وفئاتهم وأقوامهم المتنوعة . وقد يتقن بعضهم تنفيذ هذه المهمة ويخفق آخرون ممن يتم استخدامهم واستخدام طوائفهم وفئاتهم في تحقيق المصالح الكبرى للقوى الدولية العابثة بـ الأوطان الصغيرة والشعوب المتخلفة .

ولم يكن هذا الأمر حكرا على الوطن اللبناني الحبيب ، فطوال العقد الماضي شهدت المنطقة ( ولا تزال ) سلسلة من الصراعات المدارة التي قدمت خدمات جليلة للقوى الدولية الطامعة بثروات المنطقة ومنابع قوتها الإقتصادية والإستراتيجية المتنوعة . ولكننا الآن حيال الحرب الروسية الأوكرانية نشهد على تعاطي القوى الدولية مع بعضها البعض ، حيث تبدو الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو مستنكفين وبشكل حاسم عن خوض صراع عسكري مباشر مع روسيا بعد ان ساهموا مساهمة فاعلة طوال السنوات الماضية في دفع أوكرانيا لإستفزاز روسيا وأمنها القومي . وإذا كان الساسة اللبنانيون يتحسسون مواطئ أقدامهم في هذه الحرب الطاحنة ، فإنهم كل من موقعه ( وفي حالة تذاكي فاشل ) يحاول أن يوظف التطورات في خدمة أهدافه الضيقة والصغيرة . وبعض هؤلاء يريدون أن يثبتوا للولايات المتحدة الأميريكية خصوصا والغرب الأوروبي عموما أنهم قوم مخلصون ومتفانون في الدفاع عن المصالح والطموحات الدولية الغربية

وقد ساهمت هذه التطورات الدولية في تعميق حالة البلادة في ساحة الترشيحات الإنتخابية حيث العدد ما زال قليلا في وزارة الداخلية وكأن البعض ما زال على شكه في جدية الموعد الإنتخابي في الخامس عشر من شهر أيار المقبل . أما عن الحماسة في نسج التحالفات وشن الهجمات الإنتخابية العنيفة ، فإنها ما زالت خامدة ماخلا بعض عمليات القمع الداخلي التي شهدتها بعض الدوائر الإنتخابية من مثل رفض ترشيح نجلي النائبين مروان حمادة وأكرم شهيب .واعتبار اوساط رئيس الحزب التقدمي الأشتراكي ان إنكفاء هذين الإسمين ( حمادة وشهيب ) بمثابة خذلان واضح لوليد جنبلاط وابنه تيمور في زعامة الصاعدة و يعتبرها البعض زعامة متعثرة . وينظر بعض المراقبين الى دفع النائب حكمت ديب الى خارج الحلبة الإنتخابية وكأنها عملية قمع صارخة لوجه نيابي ولج الى ساحة البرلمان من بوابة الكوادر العونية المميزة التي " كافحت " مليا في حقبة التسعينات من القرن الماضي وحين كان التيار العوني في مرحلة البناء .

أما في ساحة تيار المستقبل وخصوصا في الشمال والبقاع الغربي فإن محاولات التملص من قرار الرئيس سعد الحريري ساىرة على قدم وساق . وهي تتم تحت عنوان الحفاظ على البيوت السياسية تارة ، وتحت عنوان عدم تمكين الخصوم من استباحة المقاعد النيابية المضمونة للمستقبل طورا آخر . ويسجل في هذا السياق سعي معاكس لقرار الرئيس سعد الحريري بالإنكفاء الإنتخابي ، من قبل الرئيس فؤاد السنيورة والوزير السابق أشرف ريفي وآخرين ممن يدور في فلك تيار المستقبل . في حين لم تعد تظهر تحركات بارزة لأنصار بهاء الحريري الذين قيل أنهم باتوا على أهبة الإستعداد للإنقضاض على المقاعد النيابية التي يحتلها او كان يحتلها نواب تيار المستقبل .

ولعل الحريصين على إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها ، باتوا يسألون عن مسار الحرب الروسية الأوكرانية حتى يربطوا الأشياء ببعضها على عادة بعض اللبنانيين ( الأذكياء جدا ) في البحث عن خيوط أزماتهم في أكوام الصراعات العالمية المزدهرة . ولا يستغربن أحد إن ربط ترشيحه أو فوزه بالإنتخابات النيابية الموعودة بسقوط العاصمة الأوكرانية كييف أو بصمودها ... كل حسب أهوائه السياسية الفذة . ولا يسعنا في هذه العجالة إلا أن نحمد الله على عدم تورط المتحمسين لحرية الشعب الأوكراني بالدعوة الى تشكيل فرق عسكرية داعمة والإكتفاء بالمقاومة السياسية من خلال صناديق الإقتراع التي يجهد الكثير من اللبنانيين كي يصلوا اليها .

أيمن حجازي