العدد 1538 /23-11-2022
أيمن حجازي

يدخل الشغور الرئاسي شهره الثاني ، في ظل رتابة سياسية محلية لا توحي بأن أمر هذا الشغور خطير . فالحسابات الخاصة للأطراف السياسية والطائفية تتقدم على المصلحة اللبنانية العليا التي تتطلب استمرارا بديهيا لوجود رأس للسلطة السياسية اللبنانية دون غياب أو فراغ أو شغور . في حين تعتبر بعض الأوساط الشعبية المتذمرة من الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة (على حد سواء) أن هذا الشغور لا يقدم ولا يؤخر في تأمين مصالح الناس طالما أن الأمور الحياتية للناس قد تدهورت وساءت في ظل وجود كامل البنى السلطوية واستمرارها ، وهذا ما هو حاصل في البلد منذ ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ وحتى الحادي والثلاثين من تشرين الأول الماضي .

في هذا الوقت يستمر العقم في الموضوع الرئاسي ، حيث تفتقد المعسكرات اللبنانية الأكثرية المطلوبة لإيصال رئيس ما الى قصر بعبدا . وهي تفتقد أكثرية الثلثين المتوجبة لتوافر نصاب جلسة الإنتخاب وللفوز من الدورة الأولى ، ولأكثرية النصف زائد واحد المطلوبة لفوز أي مرشح رئاسي في الدورة الثانية . والى جانب افتقاد الأكثرية ، تفتقد تلك المعسكرات السياسية الحافزية نحو التوافق على حلول وسط في المواضيع السياسية العالقة وفي مواصفات الرئيس المنشود وفي طبيعة الأسماء المطروحة . ويسجل في هذا الصدد إنسداد في الأفق ، حيث يغيب عن البحث إمكانية إحداث تعديل في الترشيحات المزدحمة .فالتيار الوطني الحر ، على سبيل المثال لا توجد جهة داخله تقدر أن تحدث أي تعديل في اعتماد النائب جبران باسيل كمرشح من قبل هذا التيار . فالنائب آلان عون الذي يحتفظ بعلاقات إيجابية مع نواب معظم الكتل النيابية نتيجة مرونته وسلاسته في التعاطي بالموضوعات السياسية الشائكة ، ليس مطروحا كي يحل محل رئيس التيار الذي أمعن في استفزاز معظم الأطراف السياسية والطائفية اللبنانية . ولم يخف بعض النواب المعارضين للتيار الوطني الحر من المجاهرة بتأييد هذا الوجه العوني المعتدل ، على شاشة التلفزيون كما فعل النائب أحمد الخير خلال أحد الحورات السياسية التي حصلت خلال الأسابيع الماضية .

في هذه الأثناء يستمر البطريرك الماروني بشارة الراعي في إصراره على الدعوة لعقد مؤتمر دولي لحل الأزمة اللبنانية ، تحت ذريعة إنعدام الحلول المحلية وعدم بروز أية معطيات إيجابية تشير الى قدرة المجلس النيابي على إنتخاب رئيس للجمهورية . مع ما يتضمنه هذا الإنعدام من مخاطر تصيب " الوطن اللبناني بشكل عام والمسيحيين اللبنانيين بشكل خاص ... " . وكان مما يزيد من القتامة المعنوية للشغور الرئاسي مرور ذكرى الإستقلال في ظل غياب رئيس للجمهورية ما أدى الى إلغاء الإحتفالات الرسمية المعتادة في هذه المناسبة . وقد لوحظ أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم قد نفي نفيا قاطعا وجود أي مبادرة من قبله لحلحة أزمة الشغور الرئاسي ، وهذا ما زاد من منسوب التشاؤم السياسي حيال هذا الشغور السيء الذكر .

في المنظار الدولي ، يجمع المراقبون الى أن الإدارة الأميريكية ما زالت توكل الى الرئيس الفرنسي مهمة متابعة المعضلة اللبنانية ، وأن الرئيس الفرنسي من جهته يسعى مع العاصمة السعودية وتحديدا مع ولي العهد محمد بن سلمان . وتستمر المساعي الفرنسية إثر صدور البيان الأميريكي - الفرنسي - السعودي منذ بضعة أسابيع الذي شدد على أهمية إنجاز الإنتخابات الرئاسية اللبنانية وتشكيل حكومة لبنانية جديدة والحفاظ على اتفاق الطائف ... إلا أن البعض المراقب مازال أن ينال التعب من كل المرشحين والترشيحات ليتم إفساح المجال أمام مجيء الجنرال جوزف عون كمرشح رئاسي توافقي وسطي يشكل مخرجا عمليا للعقم المشار اليه أعلاه . علما أن البعض يراهن بشكل معاكس على أن ينال التعب أيضا ترشيح قائد الجيش لسدة الرئاسة اللبنانية كي تطول الأزمة أكثر وأكثر ، أو أن يتم إستيراد حل خارجي محصن بكل الماكياج السياسي المتوافر في العواصم التي تعتبر معنية بالشأن اللبناني .

أيمن حجازي