العدد 1552 /1-3-2023
د.وائل نجم

د. وائل نجم

إحدى عشرة جلسة للمجلس النيابي مخصّصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ولا رئيس. الفراغ والشغور في الموقع الأول في البلد مستمر ومتواصل دون أن يلتفت أحد في الداخل أو في الخارج إلى حجم معاناة اللبنانيين ولا إلى بحثهم عن حلول.

المسألة كانت في السابق بيد اللبنانيين وبيد الكتل النيابية، ولكن يبدو الآن أنّ المسألة باتت بيد الخارج الذي يفرض وصيته على لبنان، أو بالأحرى على القوى والكتل والنيابية شيئاً فشيئاً. لاحظنا وتابعنا اللقاء الخماسي الذي انعقد في باريس ومن بعده لقاء سفراء الدول التي شاركت فيه بكلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي. كان واضحاً أنّ تأثير هذه الدول، ودول أخرى استُبعدت عن لقاء باريس بل ربما كانت الغائب الحاضر بقوّة فيه، أقوى من تأثير الكتل النيابية والقوى السياسية اللبنانية. بات واضحاً أنّ خطوط مصالح الدول المؤثّرة والفاعلة في المشهد اللبناني أقوى من خطوط ومصالح لبنان أو حتى القوى السياسية اللبنانية، ولذلك لا رئاسة قبل أن تتمّ الصفقة بين القوى الفاعلة والمؤثّرة خارجياً قبل القوى الداخلية.

قبل أيام جرى الحديث عن معالم تسوية رئاسية يجري العمل عليها، وتتضمّن الإتيان بالنائب السابق سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية في مقابل الإتيان بالسفير السابق لدى الأمم المتحدة نوّاف سلام رئيساً للحكومة. إذا صحّت هذه المعلومات عن هذا الحديث فإنّ ذلك يعني بشكل واضح صفقة بين القوى الخارجية قبل أن تكون تسوية مرحلية داخلية تُنتج الحلول للازمات المتناسلة.

المعروف أنّ المرشح سليمان فرنجية حاول أن يقدّم نفسه مرشحاً وسطياً بين القوى الداخلية والخارجية، ولم يشأ أن يكون محسوباً على أيّ من المحاور الداخلية أو الخارجية. أقلّه هو أراد ذلك لأنّه يدرك تماماً أنّ أيّ تموضع في هذا المحور أو ذاك يعني بالضرورة تراجع الفرصة أمام الوصول إلى سدّة الرئاسة. والمعروف أيضاً أن الفريق الذي يتزعمه حزب الله يؤيّد ويدعم ترشيح فرنجية ووصوله إلى سدّة الرئاسة وإن لم يُعلن ذلك بشكل رسمي بعد. بهذا الاعتبار فإنّ المحور الذي يدعم هذا الفريق والذي تتزعمه إيران اليوم ويضمّ النظام في سوريا، محور داعم لفرنجية، أو على الأقلّ هكذا يظهر، ولا أعرف إن كان هذا الشيء يعطيه (فرنجية) فرصة للوصول إلى سدّة الرئاسة أو يقلّل من فرصه. في الخلاصة هذا الشكل أظهر أنّ هذا المحور يتقدّم بمرشحه سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.

في مقابل ذلك فإنّ المعروف أيضاً أنّ السفير نوّاف سلام كان مرشحاً لرئاسة الحكومة أكثر من مرّة في ولاية الرئيس ميشال عون، وقد وضع يومها فريق حزب الله "فيتو" على وصوله إلى رئاسة الحكومة. والمعروف أيضاً أنّ سلام يتمتّع بثقة المملكة العريبة السعودية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج فضلاً عن دعم قوى سياسية وكتل نيابية وازنة في الداخل اللبناني.

والسؤال الآن، هل باتت عناصر الصفقة بين الفاعلين الخارجيين، أو بين القوى الخارجية متوفّرة وبالتالي صار من الممكن أن تُعقد هذه الصفقة وبالتالي يتم انتخاب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ونوّاف سلام لرئاسة الحكومة؟

بالنسبة للقوى الخارجية فإنّ التعامل مع مسألة انتخاب رئيس للجمهورية يأتي في سياق استخدام لبنان ساحة لتبادل الرسائل أو تصفية الحسابات أو الضغط والضغط المقابل، وفي هذه المرحلة يمكن أن يتم إنجاز صفقة جزئية ومرحلية بين هذه القوى خاصة وأنّ هناك حديث عن مفاوضات سعودية إيرانية في بغداد وأحياناً في مسقط، فضلاً عن عدم انقطاع المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن عبر وسطاء إقليميين من بينهم قطر وقد حمل وزير خارجيتها في الفترة الأخيرة رسالة واضحة واقتراحاً محدداً إلى طهران، وبالتالي فإنّ احتمالات انعقاد الصفقة متوفّرة ولو بنسب ليست كبيرة حيث أنّ الشيطان يكمن في التفاصيل الكثيرة.

بالنسبة للداخل فإنّ القوى السياسية والكتل النيابية لا تكاد تملك من أمرها وقرارها الكثير وبالتالي فإنّ أيّ صفقة خارجية يمكن أن تجد لها صدى لدى القوى الداخلية التي لا تملك القدرة على التعطيل خاصة وأنّ المجلس النيابي مشتت بين مجموعة كتل نيابية لا تملك أيّة كتلة منها بمفردها إمكانية تعطيل أيّة صفقة او تسوية رئاسية.

خلاصة القول إنّ أزمة الرئاسة قائمة ومستمرة حالياً إلى حين شعور القوى الخارجية الفاعلة والمؤثّرة أنّها أمّنت مصالحها أو برز ما يجعلها تقدّم للطرف الآخر تنازلاً أو تراجعاً يكون عبارة عن صفقة تتيح انتخاب الرئيس في لبنان من دون أن يعني ذلك بالتأكيد الشروع في حلّ كلّ أزمات لبنان.

بيروت في 1/3/2023