العدد 1516 /15-6-2022

صُعق اللبنانيون بخبر مقتل المواطنيْن اللبنانييْن شادي الكريدي وطارق طياح على متن مروحية في إيطاليا. على مدى أيام انشغل اللبنانيون بمتابعة جهود البحث لمعرفة مصير المروحية التي فُقد الاتصال بطاقمها، قبل أن يُعثر عليها محطمة في منطقة جبلية وعرة، ووفاة ركابها السبعة ومن بينهم المواطنان كريدي وطياح. وكان وفد من السفارة اللبنانية في روما قد توجّه إلى منطقة مودينا الإيطالية لمتابعة إجراءات البحث عن ركاب الطوافة، كما استنفر طاقم السفارة لتأمين عودة جثماني المتوفين إلى لبنان. وكانت شاركت في عمليات البحث 7 مروحيات تابعة للطيران العسكري والشرطة الإيطالية وأجهزة الإنقاذ الصحية، كما فتحت السلطات الإيطالية تحقيقاً لمعرفة أسباب الحادث. وبعد العثور على جثث ركاب المروحية ضجّت وسائل الإعلام اللبنانية ومعها وسائل التواصل الاجتماعي ببيانات النعي والحزن والأسى على رحيل الكريدي وطياح، من نواب ووزراء ورؤساء، ووصل الخبر للرئيس الفرنسي الذي كتب نعياً للمواطنيْن اللبنانيين، خاصة أن الراحليْن هما رجلا أعمال معروفيْن وينتميان لأحزاب بارزة في السلطة.

نسأل الله الرحمة لأرواح جميع ركاب المروحية السبعة، كما نسأل الله الرحمة لأرواح جميع الحوادث المأساوية. وفي هذه المناسبة لايسعنا إلا أن نترحم على ضحايا الزورق الذي غرق قبل شهرين قبالة شواطئ مدينة طرابلس، ومازال مصير العشرات ممّن كانوا على متنه مجهولاً، ويرجّح أن تكون جثامينهم غرقت في القارب، وربما تكون اختفت آثارها بعد مرور كل هذه المدة بفعل التحلّل، أو أن الأسماك وجدت طريقها إليها.

شهران مرّا على الفاجعة التي مُني بها أبناء طرابلس، والدولة اللبنانية لم تبذل أي جهد يُذكر لانتشال جثث الضحايا العالقين في الزورق الغارق. عمليات البحث عن المفقودين توقفت بعد أيام من الحادثة، بعد ثبوت عجز السلطات اللبنانية عن الوصول للقارب الغارق على عمق مئات الأمتار. شهران مرّا ولم تُعرف نتيجة التحقيق "السريع والنزيه والشفاف" الذي وعدت به قيادة الجيش اللبناني لمعرفة الأسباب التي أدت لغرق الزورق بعدما اعترضته دورية تابعة له واصطدمت به فتسبّبت بتحطّمه وغرقه. عشرات الجثث في عمق البحر، لكن لم نسمع بيانات نعي ولا حزن ولا أسى لا من نواب ولا من وزراء ولا من مسؤولين. ربما لأن ضحايا الزورق من أبناء طرابلس المكلومة والمحرومة، وليسوا رجال أعمال معروفين، أو ينتمون لأحزاب. هم أبناء المدينة الفقراء المُعدمين، لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، جمعهم البحث عن لقمة الخبز، فكان قدرهم الاجتماع في قعر البحر. وكان القرار من السلطة بالتعمية على ما حصل وتغييبه في الإعلام علّه يغيب عن ذاكرة اللبنانيين.

تجاوز أبناء طرابلس وذوو الضحايا مسألة ضلوع ضباط وعناصر الجيش اللبناني بتعمّد الارتطام بالقارب. هي حقيقة أدركها الجميع منذ اليوم الأول للحادثة، وتعرفها قيادة الجيش كما المسؤولين جيداً. لكن لايمكن الإقرار بالذنب حرصاً على "هيبة" المؤسسة العسكرية وأفرادها، وعلى الطريقة اللبنانية لن يتمّ إعلان عن نتيجة التحقيق، وستجري لفلفة الحادثة، وبالطبع تبرئة صفحة الضباط والعناصر الذين تسببوا بغرق الزورق، وحصر المسؤولية بالضحايا أنفسهم. اختفت الحادثة عن اهتمامات المسؤولين ومعهم وسائل الإعلام، ولم يخطر ببال أحد أن يسأل عن شعور ذوي الضحايا الذين يدركون أن جثامين أبنائهم مازالت في قعر البحر، كما فعلت وسائل الإعلام قبل أيام بالتساؤل عن شعور أبناء الضحيتين شادي الكريدي وطارق طياح.

ذوو ضحايا لم يعودوا يأملون بمحاسبة المسؤولين عن موت أبنائهم، هم يدركون أن ذلك لن يحصل. كل ما يطلبونه، هو انتشال ما تبقى من جثامين فلذات أكبادهم كي يتسنّى لهم الصلاة عن أرواحهم ودفنهم.

أوّاب إبراهيم