العدد 1518 /29-6-2022

مع بدء الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي مشاوراته النيابية لتشكيل الحكومة الجديدة وهي الحكومة الاخيرة في عهد الرئيس عون الذي تنتهي ولايته في ال 31 من شهر تشرين اول القادم ، تبدو الصورة السياسية غامضة لناحية قدرة الرئيس المكلف على تشكيل حكومة جديدة بسبب المواقف التي يطلقها النائب جبران باسيل من الرئيس ميقاتي اولا ، ومن الصراع الدائر بين مختلف القوى الساسية الممثلة في البرلمان الجديد حول طبيعة وشكل هذه الحكومة ودورها خلال الفترة التي تسبق انتخابات رئاسة الجمهورية ثانيا ، ورغبة البعض في تشكيل حكومة في اسرع وقت ممكن لمتابعة القضايا والمشاكل اللتي تعصف باللبنانيين في هذه الايام السوداء ثالثا.

هذا الوضع المعقد سياسيا يترافق مع ضغوط سياسية واقتصادية كبيرة على لبنان في هذه الايام من قبل الادارة الاميركية وبعض الدول العربية المعنية مباشرة بالوضع اللبناني ، وتتمثل هذه الضغوط بربط اي حل لازمات لبنان المختلفة مثل ازمة الكهرباء على سبيل المثال ، وكذلك المفاوضات التي يجريها لبنان مع صندوق النقد الدولي للخروج من الازمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد اللبناني ، بالاتفاق اولا على موضوع ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني بما يسمح له باستخراج الغاز والنفط من الحقول البحرية المتنازع عليها مع لبنان ، وثانيا بالاتفاق على حل لموضوع سلاح "حزب الله" ودوره في المرحلة المقبلة اي التي تلي انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وشكل تصريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الأخير والذي قال فيه ان : "لبنان يلزمه 20 مليار دولار للخروج من أزمته وأموال صندوق النقد لا تكفي" ، تأكيدا علنيا على حجم هذه الضغوط الاقتصادية ، وان تأمين الاموال اللازمة لخروج لبنان من أزمته لن يتم الا عبر الاتفاق مع الجهات الدولية والعربية على الشروط والمطالب السياسية والاقتصادية التي تريدها هذه الجهات.

في ظل هذه المعطيات السياسية والاقتصادية : هل يستطيع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة ام تبقى الامور على ما هي عليه لحين انتخاب رئيس جديد للجمهورية ؟

تتزامن المشاورات التي يجريها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي لتشكيل حكزمة جديدة مع سلسلة من المواقف والتسريبات التي تؤكد على ضرورة تشكيل حكومة في اسرع وقت ممكن نظرا لدقة وحساسية المرحلة التي يمر بها لبنان ، ومن هذه التسريبات ان "هناك تعهدات لبنانية رسمية وعلى ارفع المستويات بتسهيل الحلول المقترحة للملف الحدودي وايضا التزاما باجراء الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها تماما كما حصل في الانتخابات البرلمانية والاستشارات الملزمة لاختيار رئيس للحكومة" ، ورأت مصادر وزارية أن "لبنان أمام أسبوعين حسامين"، مؤكدة أن "كل الملفات اللبنانية، بما فيها تشكيل الحكومة العتيدة برئاسة نجيب ميقاتي، مرتبطة بمسار مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، التي تشكّل في المرحلة الحالية عامل ضغط على لبنان وتتحكّم بشكل مباشر أو غير مباشر بكل الاستحقاقات".

هذا الوضع يضع الرئيس نجيب ميقاتي امام استحقاق تشكيل حكومة في اسرع وقت ممكن من أجل خروج لبنان من ازماته اولا ، ومحاولة تلبية مطالب المجتمع الدولي والعربي ثانيا لكن الرئيس المكلف لايبدو انه يريد تشكيل حكومة كيفما كان او بالأحرى على شكل حكومة تصريف الاعمال القائمة حاليا وقد نقلت صحيفة «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية مواكبة للأجواء السائدة حالياً لدى ميقاتي أن الرئيس المكلف وإن كان يحرص على التشاور مع رئيس الجمهورية فإنه في المقابل ليس في وارد التمديد للمشاورات إلى ما لا نهاية، وسيضطر في الوقت المناسب لأن يتقدم منه بتشكيلة وزارية في مهلة زمنية أقصاها عشرة أيام، فإما أن يوافق عليها مع إدخال تعديلات طفيفة لا تبدل من توزيع الحقائب الوزارية بشكل جذري يطيح بها، ويعيد المشاورات إلى نقطة الصفر، أو أن يرفضها بالكامل ما يؤدي حكماً إلى تفعيل حكومة تصريف الأعمال.

واذا صحت هذه الاخبار فان الامور لا تبشر بالخير لناحية تشكيل الحكومة الجديدة قريبا لأن الرئيس ميقاتي على ما يبدو ليس في وارد تقديم هدايا مجانية لجبران باسيل و للرئيس ميشال عون في نهاية عهده، ويرغب ان يلعب دورا مؤثرا في هذه الفترة الانتقالية بالذات تسمح له بالبقاء في رئاسة الحكومة في مرحلة ما بعد الرئيس عون او بالاعتراف به كمرجعية سياسية سنية كبرى في ظل غياب تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري ، وهو لذلك يرفع من سقف شروطه الحكومية مستفيدا من الحاجة الداخلية اليه ومن الدعم الخارجي وتحديدا الفرنسي الذي يبدو متمسكا به الى ابعد الحدود.

بالخلاصة تشكيل الحكومة الجديدة اسير الحسابات السياسية الداخلية والخارجية وكذلك الشخصية على حد سواء ، ولبنان واللبنانيين اسرى ازماتهم المختلفة التي يبدو انها في آخر اهتمامات السياسين.

بسام غنوم