العدد 1485 /3-11-2021

تتفاعل الأزمة التي تسبَّبت بها تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، بعد التصعيد الدبلوماسي غير المسبوق من قبل الرياض الذي اقترن بجملةِ قرارات سعودية طاولت الجانب الاقتصادي ثم تبعتها إجراءات خليجية متسارعة.

ولم تكتفِ السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع لبنان وهي خطوة اتخذتها إلى جانبها الكويت والبحرين والإمارات، بل قرّرت وقف كافة الصادرات اللبنانية إلى المملكة، الأمر الذي سينعكس بشكل خطير على الداخل اللبناني اقتصادياً وزراعياً وصناعياً وعلى مختلف القطاعات بما في ذلك المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، حسب مراقبين تحدثوا لـ"العربي الجديد".

وحذّر خبراء اقتصاد من تداعيات أي دعوة لمغادرة رعايا الدول لبنان سياحياً ومخاطرها في حال توسعت وتشددت لتطاول العمالة اللبنانية الجديدة أي التي كانت تبحث قرار العمل في الخليج مع تفاقم الأزمة المعيشية وارتفاع معدل البطالة وهشاشة القطاع الخاص اقتصادياً.

يقول رئيس مجلس الأعمال اللبناني – السعودي رؤوف أبو زكي، لـ"العربي الجديد"، إن "لبنان يواجه منذ فترة مسارا انحداريا على مستوى العلاقات مع محيطه العربي والخليجي كانت له تداعياته الاقتصادية الظاهرة والملموسة إلى أن تفاقم الوضع أكثر وبشكلٍ خطيرٍ نتيجة الأزمة التي تسبّبت بها تصريحات وزير الإعلام ومقاطعة غالبية الدول الخليجية للبنان، الأمر الذي سيؤثر مباشرة على مصالح المزارعين والصناعيين والحرفيين والمصدّرين والمقاولين وغيرهم".

ويلفت أبو زكي إلى أن "لبنان أصبح يعيش عزلة شبه تامة عن أسواق الخليج التي تشكل الرئة الاقتصادية التي يتنفّس منها، ولا سيما على صعيد الصادرات التي تذهب أكثرها إلى دول الخليج، خصوصاً الزراعية والصناعية"، مشيراً إلى أنه في "عام 2020 كانت قيمة الصادرات إلى الخليج حوالي مليار دولار، منها 220 مليون دولار للسعودية".

من ناحية ثانية، يتحدث أبو زكي عن خطورة الحالة التي يعيشها لبنان اليوم إزاء المستجدات، حيث إن الاستثمارات الخليجية في لبنان هي أصلاً شبه متوقفة وقد تتوقف تماماً في المرحلة الراهنة، والأمر نفسه على صعيد السياحة التي ستتوقف كلياً في حال التصعيد، مشيراً في المقابل إلى أن "التحويلات المالية ستبقى مستمرّة ولن تطاولها أي قيود، إذ أعلنت الحكومة السعودية أنّها تفصل بين سياسات الحكومة اللبنانية والعمالة اللبنانية في دول الخليج.

ويحذر أبو زكي من جملة إجراءات قد تلجأ إليها المملكة وقد يكون من ضمنها وقف الطيران ولكن سننتظر التطورات، مشدداً على أنّ "المطلوب اليوم عودة الأمور إلى طبيعتها وخروج لبنان من نفق الصراع الإقليمي، وبالتحديد السعودي الإيراني، وإلا سنكون أمام أفق غير واضح ومستقبل غامض وسوداوي".

من جهته، لا يخفي رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية والمحاضر في الاقتصاد في الجامعة الأميركية منير راشد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يكون هناك تأثير للإجراءات السعودية ووقف الصادرات اللبنانية إليها على المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي وذلك على صعيد الأرقام.

ويشرح راشد، وهو خبير سابق في صندوق النقد الدولي، قائلاً: "عندما يضع صندوق النقد برنامجه يكون مقروناً بتقديرات، مثلاً لميزان المدفوعات والسياح والتصدير وغير ذلك، وفي الحالة الراهنة هناك تغيير في الأرقام حتماً نتيجة وقف الصادرات اللبنانية إلى السعودية، ما يعني أن لبنان بات بحاجة أكبر للتمويل، وهو ما يحتم الاتفاق على أرقام جديدة على صعيد الدول الخليجية والمنطقة، وكذلك الأمر على صعيد النمو المحلي".

على صعيدٍ ثانٍ، يلفت راشد إلى أن "علاقاتنا التجارية مع دول الخليج مهمة جداً وهناك أكثر من 400 ألف لبناني يعملون فيها، لا سيما في السعودية، حيث يقدر وجود 200 ألف عامل فيها".

ويشير رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية إلى أنّ الإجراءات السعودية حتماً ستنعكس على صادرات الخدمات والصناعة وغيرها، وسيؤثر ذلك أيضاً على سعر صرف الدولار الذي شهد ارتفاعاً نتيجة الأزمة. (تخطى الـ21 ألف ليرة في عطلة الأسبوع). ويرى راشد أنّ أي طلب لدولة من رعاياها مغادرة لبنان ينعكس حتماً على القطاع السياحي ودخول العملات الصعبة.

على صعيد حركة الرحلات، أكد نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود، لـ"العربي الجديد"، أن "الرحلات من البلدان العربية وإليها، خصوصاً الإمارات، ما زالت على حالها ذهاباً وإياباً والحركة طبيعية ولم نُبلّغ بأي تغييرات أو إلغاء للمواعيد، علماً أن استفسارات كثيرة تصلنا ولكن رسمياً لم نتبلغ بشيء حتى الساعة"، مستبعداً أن يصار إلى وقف رحلات الطيران باعتبار أن "خط بيروت يعنيهم"، على حدّ قول عبود.

وقال صاحب مكتب سفر في بيروت، لـ"العربي الجديد"، إن اتصالات كثيرة ترد إليه، خصوصاً حول التأشيرات إلى دبي، لكن حتى الساعة كلّ شيء طبيعي، لافتاً إلى أنّ "طلب الإمارات من مواطنيها مغادرة لبنان لن يؤثر كثيراً باعتبار أنّهم قلة قليلة في لبنان، بعكس البحرينيين مثلاً الذين يأتون كثيراً إلى لبنان".

بدوره، يشير رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان حويك، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "دول مجلس التعاون الخليجي تستورد حوالي 55 في المائة من إجمالي صادراتنا، وهذه كلها قد تتوقف نتيجة الأزمة الدبلوماسية، من هنا نترقب بقلقٍ أيضاً موقف باقي الدول الخليجية".

ويلفت إلى أنّ الصادرات اللبنانية إلى السعودية تصل إلى 50 ألف طن سنوياً، وإلى الكويت حوالي 59 ألف طن، أما الإمارات فتستورد تقريباً 31 ألف طن، وكلّ هذا سيتحوّل إلى خسائر للبنان وللعاملين في القطاع في حال توقفها أو تراجعها.