العدد 1543 /28-12-2022

تتضارب المعلومات حول إمكانية تلبية مطالب قضاة لبنان المادية بعد أن أُقفِلَ الباب على تقاضي رواتبهم على أساس 8 آلاف ليرة لبنانية للدولار الواحد، بموافقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وصولاً إلى إعطاء القضاة مبلغاً مالياً نقدياً بالدولار الأميركي، بيد أنهم لم يتراجعوا عن قرار اعتكافهم، على الرغم من أن تداعياته باتت تترجم ميدانياً بشكل خطير.

يقول أحد القضاة الذين تراجعوا عن الاعتكاف بعد أكثر من شهرٍ على الإضراب، لـ"العربي الجديد"، إن "قضاة مجلس شورى الدولة عادوا إلى العمل، ومنهم من قرر الاستمرار، وآخرون يضعون استثناءات ترتبط بالضرورة والقضايا الملحة"، لافتاً إلى أن "المبالغ التي يجرى تداولها إعلامياً ليست صحيحة، ولو كانت كذلك، لما كان هناك مبرر لأي قاض لمواصلة اعتكافه".

ويشير القاضي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن "المبالغ التي أقرت للقضاة هي التي وردت في الموازنة العامة، أما التي حصلوا عليها من صندوق التعاضد، فهي ليست تقليداً جديداً، لأن القضاة أساساً يحصلون على منحة فصلية كل 4 أشهر من الصندوق، وهي نتيجة الاشتراكات التي يدفعها القاضي، وبالتالي، فليست من المطالب حتى يتحدث البعض عن كونها تحققت".

بدوره، يقول منسق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي" المحامي جاد طعمة إن "مرفق العدالة في لبنان يعاني من إضرابات متتالية منذ بدء الأزمة الاقتصادية في عام 2019، وأطولها وأخطرها الإضراب الحالي، والذي يعرقل مصالح الناس، وقضاياهم، ويزيد من الإفلات من العقاب، ويفاقم منسوب الجرائم، كما أن له انعكاسات أخرى سلبية على المجتمع".

ويشير طعمة إلى أن "المطلب الأساسي الذي رُفع عند إعلان القضاة اعتكافهم، كان يرتكز على إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية، قبل أن تضاف إليه المطالب المادية في ظل انهيار قيمة الرواتب وعدم كفاية أموال التنقلات، وذلك ربطاً بالأزمة الاقتصادية التي تطاول كل شرائح المجتمع المتأثر بانهيار قيمة العملة الوطنية، وهذا الاعتصام لا يقتصر على القضاة، بل يؤثر أيضاً على الموظفين في المرافق العدلية، فحتى لو تحققت مطالب القضاة، يمكن أن ندخل في إضراب جديد يشمل هؤلاء، ومن هنا، يجب أن يكون الحل شاملاً، وضمن خطة مكتملة".

ويتوقف طعمة عند تأثيرات اعتكاف القضاة الخطيرة على المجتمع، إذ "لا شكوى يمكن أن تسلك طريقها، ولا يمكن ملاحقة السارق أو المجرم، والموقوف الذي انتهت محكوميته أو عقوبته لا يمكن إخلاء سبيله، ولا جلسات إلا ما ندر لمحاكمة الموقوفين، وبالتالي هناك تعطيل تام لمرفق العدالة، وغياب للردع القضائي، وتوقف المحاسبة والمساءلة، ما يترجم انتشاراً للجريمة، وربما تشجيعاً عليها أيضاً، كما أن التأثيرات المادية موجودة، فأي مستثمر أجنبي يمكنه أن يستثمر في بلد تعطل فيه مرفق العدالة؟ خصوصاً مع وجود مجتمع تحكمه شريعة الغاب"، على حد قوله.

في السياق، تصف المحامية في مركز الدعم التابع لمنظمة "كفى" الحقوقية فاطمة الحاج، لـ"العربي الجديد"، الوضع بأنه "فوضوي، وتسوده العشوائية والاستنسابية، فقد تجد قاضياً معتكفاً وآخر يعمل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الموظفين، فلا مبدأ واحدا، والعدالة لا يمكن أن تبنى على المزاجية".

وتشير الحاج إلى أن "اعتكاف القضاة الذي طال كثيراً ينعكس حتماً على كل المجتمع، ويؤدي إلى فلتان أمني في مختلف المناطق، حتى إن البؤر الأمنية انتشرت نتيجة توقف مرفق العدالة، فمثلاً، السارق الذي لم يتم توقيفه لعدم صدور إشارة قضائية بحقه، لا يمنحه هذا فقط الإفلات من العقاب، بل يشجعه على ارتكاب مزيد من الجرائم".

وتشير إلى أن المتطلبات المنزلية والأعباء الاقتصادية تزداد في فترة الأعياد، فتصبح المرأة والأولاد ضحية غضب الزوج ــ الأب، وفي حال الضرب أو التعرّض لأي شكل من أشكال العنف، لن يتم توقيف المعنِّف، خصوصاً إذا لم تدخل المرأة المعنفة المستشفى، وبالتالي لن يمكنها رفع صوتها كي لا تستفز من قام بتعنيفها في ظل عدالة معطلة. وتضيف أن "قضايا نسائية كثيرة معلقة، وبعضها قضايا حياة أو موت، حتى إن نساء عليهن منع سفر من قبل الزوج، بات عليهن البقاء طالما أن الجلسات لا تعقد، ولا يُستمع للسيدة لرفع القرار".