العدد 1436 / 11-11-2020

مبدئياً، علقَ التأليف عند إدراج العقوبات وصارت الفيتوات مطعّمة بجرعات إضافية. أحد المراجع يصفق راحاً على راح. "كنّا نأمل بتأليف حكومة قبل الانتخابات الاميركية وقلنا لهم ذلك، فضحكوا علينا". خلاصة قوله: "لاقو بو زيد إلي بألف حكومة ضمن هذه الفترة".

أكثر المتفائلين ضمن مسار التأليف لا يتوقع إنتاج حكومة في غضون الأسبوعين المقبلين! كلام من هذا القبيل ينقلنا إلى "مهلة مفتوحة للتأليف" باتت محكومة بالتبدلات السياسية الطارئة التي تعج بها مسالك الاقليم بعدما بدأ يتزايد الاعتقاد باحتمال حدوث شيء ما نابع من جنون إدارة دونالد ترامب المنتهية ولايته، التي يبدو ان استراتيجيتها للشهرين ونصف المقبلين تقوم على إعتماد سياسة لتكبيل الرئيس المنتخب جو بايدن، أما التبدل الذي دخل على وزارة الدفاع الاميركية فجأة وإقالة وزيرها مارك اسبر يندرج في نفس السياق ولا يُمكن إلا أن يؤخذ ضمن إطار لا يوحي بالايجابية ابداً.

عقب اللقاء السابع الذي عقد بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في قصر بعبدا قبل أيام، ظهر أن العقد تتوسع. فالايجابيات التي سبق وجرى الحديث عنها، تبخرت وتحولت إلى سراب. فجأة، بدأ يوحي المحيطون ببيت الوسط، أن "هوامش التأليف ضاقت كثيراً، وما كان قد تأمن التنازل عنه عاد ليشكل قاعدة لمفاوضات التأليف مرة جديدة".

على الضفة المقابلة ثمة إتهام أخطر يجري إسقاطه على حراك الحريري. رئيس تيار المستقبل يُحاول الاستفادة قدر الإمكان من العقوبات الاميركية على رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل وتحويلها إلى أداة للتفاوض من خلال إدراجها على جدول أعماله السياسي، ظهر ذلك حين تراجع الحريري عن 99% من التنازلات التي وضعها في عهدة بعبدا.

فالحريري الذي أبدى ميلاً مؤخراً إلى الانفتاح على كتل سياسية في محاولة منه لفهم توجهاتها في الحكومة العتيدة رغم أنه سبق ورفض أي خطوة مماثلة، عاد وتراجع عن ذلك عند دخول العقوبات حيّز التنفيذ، ولا يبدو أنه في صدد التراجع عن ذلك بدعوى الخشية من فهم أي حركة تصدر عنه على أنها تأتي بمثابة تحدٍ للجهة القائمة على حسن سير العقوبات!

هذا يقود عملياً إلى إدراك أننا بتنا في مربع "عقوبات ذات وجه حكومي أسقطت على جبران باسيل" من المرجّح أن يتطرّق إلى هذا المنحى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته اليوم، معيداً ترسيم الخطوط من خلال الدعوة إلى الفصل بين العقوبات وملف تأليف الحكومة.

إلى جانب ذلك، ظهر أن الحريري عاد ليتحدث عن تأليف حكومة من 18 مقعداً يتمتع بالحق الكامل في إختيار وزرائها. يحدث ذلك في ظل تمنّع الرئيس المكلف حتى الساعة عن إصدار أي بيان يُعلق من خلاله على العقوبات التي اُدرجَت باسيل على قوائمها ضارباً بكل النصائح التي اسديت إليه حول إحتمال أن يرفع ذلك من إحتمالات تأليف الحكومة سريعاً.

والحقيقة، ان الخشية من تمدد رقعة العقوبات باتت تلفح أكثر من طرف. فالجهات التي سبق وان جرى ضمها إلى قوائم العقوبات الاميركية تعاملت مع "حادثة جبران باسيل" وكأن شيئاً لم يكن. فبدل أن تكون المصيبة جامعة، تحولت إلى اداة للتفرقة ضمن أبناء الصف الواحد بعد أن بات قسماً منهم ينظر إلى ملف العقوبات على أنه منفصل عن الاسباب التي جرت معاقبة آخرين على اثرها. بهذا المعنى يجري الفصل ايضاً بين ملفات العقوبات لدواعٍ شخصية أكثر منها سياسية.

ثمة شعور يتولّد لدى الرئاسة والتيار في آنٍ معاً، أن ملف الحكومة الذي يلحظ تبدلات جوهرية دخلت عليه، ستستعمل كأداة لسحب تنازلات منهم أو "سحقهم" بالمعنى السياسي، لذلك، بدأ باكراً تعميم نماذج التشدد وعبارات "التعصب السياسي" إلى حد باتت قضية تأليف الحكومة بالنسبة إلى العهد قضية "حياة أو موت"!

عملياً، يُصنف العهد نفسه خاسراً من جراء العقوبات. صحيح أنه وبالمعنى السياسي ما زال ممسكاً بأوراق وبحضور وازن في الداخل وضمن المؤسسات، لكنه بات يفتقد إلى عناصر الربط مع الخارج بحكم النظرة المستجدة له، لذلك يريد الانقضاض على القضايا الدستورية والمسألة الحكومية منها لحفظ نفسه ومحاولة المفاوضة إنطلاقاً من عناصر قوة، فلا بديل عن تأمين حضور مكثف وزان لهذا الفريق لاستعادة حضوره. بهذا المعنى، تتم إحالة مسألة تأليف حكومة من إختصاصيين إلى التقاعد، والحديث المتداول حالياً يقوم حول العودة إلى قاعدة تأليف الحكومات التنكو-سياسية أو "الاختصاص-سياسية" الكفيلة بتأمين حضور.

في الطريق إلى ذلك ستشهد معركة التأليف تنازلات من فوق الطاولة ومن تحتها. يحدث ذلك مع تآكل مهلة الـ5 اسابيع المستحدثة التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب 26 ايلول الماضي على اثر اعتذار السفير مصطفى أديب. عليه، ومع سقوط المهل والخطوط الحمراء وسقوط محاولات حماية باسيل دولياً، لم يعد أحد ملزماً بتحقيق أي التزام سابق في الداخل.