العدد 1364 / 29-5-2019

لم تستبعد صحيفة ليزيكو الفرنسية انتصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حربيه الباردتين ضد إيران والصين واللتين أطلقهما في وقت واحد.

وفي مقال نشر بالصحيفة، قال دومينيك مويسي من معهد مونتين إن حرب ترامب ضد إيران استخدم فيها سلاح العقوبات بهدف إسقاط نظام الملالي، في حين استخدم فرض الضرائب والحظر في حربه على الصين بهدف منع تفوقها التكنولوجي على بلاده.

وتساءل الكاتب هل يمكن لأميركا تحمل حربين في آن واحد؟ مشيرا إلى أن خبراء الإستراتيجية كانوا يرون خلال أيام الحرب الباردة أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على خوض حرب مسلحة في جبهتين في وقت واحد.

لا بد من تقويم الصين

وإذا استخدمنا تعريفا قديما للحرب التقليدية -كما تقول الصحيفة- بأنها "ممارسة السياسة بوسائل أخرى" فماذا عن الحروب الاقتصادية اليوم؟ هل هناك حرب اقتصادية اختيارية وأخرى ضرورية؟

وهل يمكن أن تعتبر العقوبات الاقتصادية الصارمة على إيران الشكل الحديث لحرب اختيارية، واعتبار العقوبات ضد شركة هواوي الصينية العملاقة حربا ضرورية؟

وقال الكاتب إن ترامب قد لا يكون الرئيس المناسب لأميركا، لكن سياسته تجاه الصين تحتوي على بعض العناصر الإيجابية، إذ كان لا بد أن ينهض أحد ما لوضع حد لسلوك بكين "المنحرف" وغير المقبول.

تجاهل النظام المتعدد

لكن المشكلة بالنسبة للكاتب هي أن أميركا اليوم لا تتدخل باسم المصلحة العامة، كما كانت تفعل أيام الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، بل باسمها الخاص، وفي تجاهل تام للنظام المتعدد الأطراف، لتبقى أوروبا منقسمة بين الرضا عن رؤية لاعب قوي يرفع صوته إزاء الصين، والخوف من أن تكون هي الهدف التالي لأميركا، في عملية تفكيكها المنهجي للتعددية.

ولمحاولة فهم الوضع الجيوسياسي الحالي وطبيعة المخاطر التي يواجهها العالم بشكل جماعي، فمن الضروري أن نفهم أهداف مختلف المتصارعين، فماذا تريد كل من أميركا والصين وإيران؟

ففي مواجهة الصين، تريد أميركا إعادة التأكيد على أنها بلا منازع تبقى "الرقم الأول"، حتى وإن لم يعد العالم أحادي القطب كما كان أيام انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 وأيام انهيار أبراج مانهاتن عام 2001.

الصين تضاهي أميركا

ومع ذلك، فالولايات المتحدة لا يمكنها أن تسمح بوجود منافس حقيقي، كما أنها لا تتقبل الفكرة الشائعة القائلة بأن القرن العشرين كان قرن أميركا بلا منازع، أما القرن الحادي والعشرون فهو قرن الصين.

وتبدو الصين بعيدة من مساواة أميركا على المستوى العسكري -كما يرى الكاتب- وحتى على الصعيد الاقتصادي، فقد انتعش نمو الاقتصاد الأميركي بشكل كبير مع انكماش نمو الصين، إلا أن الصين من الناحية التكنولوجية -وهذا أسوأ ما تخشاه أميركا- أصبحت تضاهي أميركا، خاصة أنها سجلت نقاطا مذهلة في بعض المجالات الإستراتيجية.

أما النوايا الصينية -حسب الصحيفة- فهي عكس نوايا أميركا، إذ تسعى الصين لضمان التفوق أو ربما السيطرة الكاملة على آسيا كخطوة أولى، قبل أن تصبح في النهاية القوة العالمية الأولى، مما يؤكد تفوق نموذج السلطة الاستبدادية والمركزية للصينيين، وبالتالي تفوق الحضارة الصينية على النموذج الديمقراطي والحضارة الغربية بشكل عام.

ومثل الصين، تبدو نوايا طهران دفاعية إلى حد كبير، كما تقول الصحيفة، إذ اختار نظام الملالي هروبا مزدوجا إلى الأمام بتوسيع نفوذه الإقليمي وباعتماده أسلوب الاستفزاز الدائم لضمان بقاء نظام يعرف هشاشته جيدا.