العدد 1483 /20-10-2021

تنطلق في العاصمة الروسية موسكو الأربعاء، جولة جديدة من المحادثات الأفغانية في ما يعرف بـ"إطار موسكو"، تستمر أربعة أيام، بمشاركة ممثلين عن روسيا والصين وباكستان وإيران والهند، وحركة "طالبان" الأفغانية التي سيطرت على الحكم في البلاد في 15 آب الماضي، فيما امتنعت الولايات المتحدة عن المشاركة. وتوجه وفد من الحركة، الثلاثاء، للمشاركة في المؤتمر. ويعتبر هذا اللقاء الأول ضمن "إطار موسكو" (انطلق عام 2017)، بعد سيطرة "طالبان" في أفغانستان، ويتوقع أن يركز على تقييم تقدم الحركة في القضايا الحيوية، مثل مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، علماً أنه يأتي في ظلّ تصعيد تنظيم "داعش" ولاية خراسان هجماته الدموية في أفغانستان.

وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء، على هامش منتدى "فالداي" الدولي في سوتشي، أن بلاده لم تناقش الاعتراف بحركة "طالبان" في الوقت الحالي، وذلك رداً على سؤال عما إذا كانت روسيا مستعدة لأن تكون أول دولة تعترف بطالبان كسلطة رسمية في أفغانستان. وشدد على أن روسيا تنتظر من الحركة الأفغانية الوفاء بتعهداتها التي قطعتها لدى وصولها إلى السلطة، بما في ذلك ضمان شمولية الحكومة، ليس فقط على أساس الانتماء العرقي، ولكن أيضاً على أساس المعتقدات السياسية، حتى يتسنى تمثيل جميع الأطياف السياسية للمجتمع في الحكومة. وبشأن عدم مشاركة واشنطن في الاجتماع، ربط لافروف الأمر بالتغيير الذي طرأ على هوية المبعوث الأميركي إلى أفغانستان بعدما تم تعيين توماس ويست مبعوثاً جديداً لأفغانستان خلفاً لزلماي خليل زاد، الذي أعلنت استقالته مساء الإثنين. ولفت لافروف إلى أن توماس ويست تم تعيينه مباشرة قبل المؤتمر، وأنه أعلن عن رغبته بالتواصل مع موسكو، لافتاً إلى أن الأخيرة ستكون مسرورة باللقاء معه.

ويرأس وفد "طالبان" إلى موسكو، نائب رئيس الوزراء الملا عبد السلام حنفي. وأكدت الحركة، في تغريدة لها على "تويتر"، توجه الوفد الذي لم تفصح عن هويات بقية أعضائه، إلى العاصمة الروسية. وكانت السفارة الروسية في كابول، قد أكدت أول من أمس الإثنين، في بيان، أن "طالبان" هي الجهة الوحيدة التي ستشارك في اللقاء من أفغانستان، وأن الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي ورئيس المجلس الأعلى الوطني للمصالحة عبد الله عبد الله، لن يشاركا في المؤتمر، كما لم تتم دعوتهما من قبل موسكو.

من جهتها، أعلنت الولايات المتحدة، أول من أمس، أنها لن تشارك في مباحثات حول أفغانستان كانت مقررة أمس الثلاثاء في موسكو (صيغة الترويكا الموسعة)، بمشاركة روسيا والصين وباكستان. وأشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى وجود "مشاكل لوجستية" منعت مشاركتها، لكنها اعتبرت أن المنتدى الروسي (الترويكا الموسعة) "منصة بنّاءة". وقال المتحدث باسم الوزارة، نيد برايس: "سيسعدنا أن نشارك في هذا المنتدى في المستقبل، لكن لا يمكننا أن نشارك هذا الأسبوع"، رافضاً توضيح ماهية المشاكل اللوجستية التي تحول دون مشاركة بلاده في المنتدى. وتحض الولايات المتحدة، المدعوة أيضاً إلى مؤتمر اليوم في روسيا، الأطراف الدوليين على عدم الاعتراف بحكومة أفغانستان، وتأمل ربط هذا الاعتراف بملفات أساسية، من بينها حقوق النساء والفتيات وحرية الإعلام. وكان ممثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أفغانستان، زامير كابولوف، قد أكد في وقت سابق، أن مسؤولين من روسيا والولايات المتحدة والصين وباكستان سيجرون محادثات منفصلة في موسكو (أمس) للوصول إلى موقف موحد إزاء الوضع الجديد في أفغانستان.

ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بعد عقدين على غزوها لهذا البلد، وصعود "طالبان" إلى السلطة، تحول الوضع الأفغاني وتحدياته، خصوصاً الأمنية، إلى الشغل الشاغل للقوى العالمية، وفي مقدمها روسيا، التي يعتمد أمنها القومي بشكل مباشر على أمن حلفائها من بين الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى.

وتراهن موسكو، في لقاء اليوم، على استثمار اتصالاتها مع الحركة واستمرار عمل سفارتها في كابول، لضمان أمان حلفائها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم كلا من روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، وهذه الأخيرة لها حدود مشتركة مع أفغانستان، وترفض حتى الآن الاعتراف بالحركة. وأول من أمس، أعلنت وزارتا الدفاع في روسيا وطاجيكستان أن ما يربو على خمسة آلاف جندي، أكثر من نصفهم روس، بدأوا تدريبات تجريها منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وتستمر 6 أيام، بعد سلسلة تدريبات أضيق نطاقاً أجرتها روسيا وحلفاؤها في آسيا الوسطى على حدود أفغانستان في أغسطس وسبتمبر/أيلول الماضيين.

وتعليقاً على لقاء موسكو الأفغاني اليوم، توقع رئيس المركز الأوراسي للتحليل في العاصمة الروسية، نيكيتا ميندكوفيتش، أن تقدم "طالبان" خلال اللقاء كشف حسابها في مجال مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، وهو ما ستعتمد عليه كيفية إقامة العلاقات مع حكومتها لتصريف الأعمال. وأوضح ميندكوفيتش في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "منذ وصول طالبان إلى السلطة، تواجه موسكو والمجتمع الدولي قضية كيفية بناء العلاقات مع السلطة الجديدة، ولذلك فإن وفد الحركة سيقدم كشف حساب في هذين المجالين، حيث سيعتمد الاعتراف بطالبان وإقامة علاقات تجارية معها، على التقدم الذي تحققه فيهما". ورأى أنه "لن يكون هناك اعتراف فوري بالحركة، لكن خطواتها الإيجابية في المرحلة الحالية ستمهد لمناقشة القضايا التجارية، خصوصاً أن السلطات الجديدة تحتاج إلى مواجهة قضية نقص الغذاء والطاقة مع اقتراب الشتاء". واستبعد ميندكوفيتش احتمال تعزيز روسيا تعاونها مع "طالبان" في حال ثبت استمرار اتصالاتها مع التنظيمات المتطرفة، معتبراً أنه "صحيح أن الحركة تكافح داعش، ولكن هناك مؤشرات لتعاونها مع تنظيم القاعدة وحركة أوزبكستان الإسلامية، ومن المستبعد أن تدعم روسيا من يتعاون مع الإرهابيين".

وحول دور ملف حقوق الإنسان في الاعتراف الروسي بـ"طالبان"، أوضح ميندكوفيتش أن "روسيا تعتبر أنه يجب توفير أقصى الإمكانات لجميع سكان البلاد، ولكنه ليس من حقّها أن تفرض على أفغانستان رؤيتها للنظام الداخلي للدولة، كما أنها تأمل ألا تعود طالبان إلى الممارسات الدينية المتشددة المعتمدة في تسعينيات القرن الماضي".

من جهته، قلّل الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف، من أهمية لقاء موسكو من حيث جدية تناوله قضايا مكافحة الإرهاب، مستبعداً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "يتم الغوص في هذه المسألة بعمق، لأن الحركة ستكون ممثلة بنائب رئيس الوزراء، عبد السلام حنفي، وعلى الأرجح فإنه لن يجري الحديث في جوهر الأمور، بل سيقتصر اللقاء على إصدار دعوات وتأكيدات". وأرجع سيميونوف حرص روسيا على العمل مع "طالبان"، إلى اعتقادها بأن الحركة قادرة على احتواء المخاطر الآتية من التنظيمات الإرهابية المنتشرة في أفغانستان.

وكانت وزارة الخارجية الروسية قد استبقت المحادثات الأفغانية، بالتشديد على أهمية التزام "طالبان" بمنع التنظيمات الإرهابية من استخدام الأراضي الأفغانية كمنصة لهجماتها تنفيذا لاتفاق الدوحة الذي تمّ التوصل إليه في فبراير/شباط 2020، بين الحركة والولايات المتحدة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وأكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي سيرومولوتوف، أن روسيا لم يتوفر لديها حتى الآن ما يؤكد أو ينفي حفاظ "طالبان" على اتصالاتها مع "القاعدة" أو قطعها. وقال سيرومولوتوف في حوار مع وكالة "تاس" الروسية الرسمية للأنباء، نشر أول من أمس الإثنين: "ننطلق من أن السلطات الأفغانية الجديدة لن تسمح باستخدام أراضي هذا البلد لأي مجموعات إرهابية، بما فيها القاعدة، لممارسة النشاط غير المشروع، وهو ما ينبع من أحكام اتفاق الدوحة المبرم في 29 فبراير والذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي. بذلك نأمل في التحقيق الفعلي للبيانات المذكورة لطالبان".

من جهتها، لفتت صحيفة "لينتا.رو" الإلكترونية الروسية، إلى أنه بعد مرور شهرين على تولي "طالبان" زمام السلطة، لم يتضح للدول المجاورة في آسيا الوسطى حتى الآن ما إذا كانت الحركة قادرة على ردع التنظيمات الإرهابية من دون دعم خارجي. ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، قوله إن السلطات الأفغانية الحالية تسعى للدفع بالعلاقات مع روسيا وتحترم مصالحها الإقليمية.

وفي مؤشر على قلق الكرملين من تفاقم الوضع في أفغانستان وآسيا الوسطى، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأسبوع الماضي، لقاء بنظام مؤتمر الفيديو مع قادة الأجهزة الاستخبارية لبلدان رابطة الدول المستقلة، حذّر خلاله من تدفق المسلحين من أصحاب الخبرة القتالية من العراق وسورية إلى أفغانستان، ومحاولتهم زعزعة الوضع في الدول المجاورة وصولاً إلى بدء التوسع المباشر.

وتعود أولى الاتصالات بين الخارجية الروسية و"طالبان" إلى 2015، حين عملت موسكو على تحرير الطيّار الروسي الأسير، سيرغي سيفاستيانوف، كما أن علم روسيا بقتال "طالبان" ضد "داعش" مهّد الطريق لتعاون تكتيكي بين أعداء الأمس.

صبغة الله صابر