العدد 1364 / 29-5-2019

تعكس النتائج التي آلت إليها انتخابات البرلمان الأوروبي تطلعات وتناقضات ناخبي مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد تعزيز اليمين القومي المتطرف مكانته وتحقيق الأحزاب البيئية أرقاما قياسية.

يقول الكاتب، ريتشارد ويرلي، في تقرير له بصحيفة "لوتان" السويسرية، إن أوروبا ظهرت بوجه جديد يتميز بظهور فجوة بين اليمين القومي المتطرف وأحزاب البيئة.

ويبرز الكاتب حصول اليمين المتطرف على نتائج قياسية مع حصول حزب الرابطة في إيطاليا، الذي يقوده ماتيو سالفيني، على نحو 34.3% من الأصوات، وحزب التجمع الوطني في فرنسا، الذي تترأسه اليمينية المتطرفة مارين لوبان، على نحو 23.3% من الأصوات.

كما حصل حزب البريكست ببريطانيا على 31.3%، في حين فاز حزب فيدس-الاتحاد المدني المجري بحوالي 52.3% وظفر حزب العدالة والقانون البولندي بقرابة 45.4% من الأصوات.

وفي المقابل يلفت الكاتب إلى أن الأحزاب البيئية حققت هي الأخرى رقما قياسيا في عدد النواب الذين سيمثلونها في البرلمان الأوروبي، حيث حصدت 69 مقعدا، بعد أن كان عدد نوابها في السابق 52 فقط.

ويعود الفضل في ذلك بحسب الكاتب إلى النجاح الذي حققه حزب الخضر في ألمانيا بعد أن حصد 20.5% من الأصوات وحزب الخضر الفرنسي بنحو 13.4%، علاوة على حزب اليسار الأخضر في هولندا الذي ظفر بقرابة 10.8% من الأصوات، بينما حصد حزب البيئة البلجيكي نحو 7.8% من الأصوات.

كسر التوازن

ويفيد الكاتب بأن هذه النتائج تؤكد بروز رؤيتين متعارضتين لأوروبا، ستمثل إحداهما المجموعة الوسطية الليبرالية المنتمية لقائمة "النهضة" التي يدعمها إيمانويل ماكرون في فرنسا (22.4%).

واعتمادا على 107 نواب في البرلمان الأوروبي، سينزل هذا الحزب بكل ثقله لمواجهة باقي التحالفات المرجح إعلانها مستقبلا أمام تراجع أول حزبين في البرلمان الأوروبي، أي كل من الديمقراطيين المسيحيين (180 منتخبا) والاشتراكيين (145) لأنهم لم يعد لديهما أغلبية المقاعد البالغة 751 مقعدا.

وذكر الكاتب أن مشاكل الجغرافيا السياسية الجديدة للبرلمان الأوروبي لا تتلخص فقط في المقاعد والتحالفات المستقبلية، بل أيضا في التغيير المركزي الذي أحدثته إلى حد الآن ضمن الاتحاد الأوروبي.

يتمثل الدرس الآخر الذي يمكن استخلاصه من الانتخابات الأخيرة في انفصام الأجيال، وخاصة في أوروبا الغربية، وفي جميع البلدان التي أحدث فيها الشباب الفرق، استفاد الخضر من حماس أصغر الناخبين لدعم انتقال ضروري إلى اقتصاد خالٍ من الكربون.

وقد أكدت جميع استطلاعات الرأي أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما صوتوا بأغلبية ساحقة "لصالح المناخ"، بعد حشدهم بشكل جماعي خلال المسيرات في المدن الكبرى الأوروبية.

ونقل الكاتب أن ظهور وجوه جديدة على رأس المؤسسات المجتمعية تلبي هذا التعطش للتجديد، هي التي أفضت إلى هذه النتيجة المتمثلة في فوز الأحزاب البيئية.

وأكد أنهم "يؤيدون الاندماج المجتمعي وفكرة السيادة الأوروبية، حتى يكون لأوروبا ثقلها في موازين القوى ضد الولايات المتحدة أو الصين. وهناك فكرة مطروحة بالفعل تتمثل في إنشاء "البنك الأوروبي للمناخ"، الذي من شأنه أن يجمع بين إسناد الأموال المجتمعية والالتزامات البيئية.

شعبويون منقسمون

وذكر الكاتب أنه من المؤكد أن المعركة السياسية في ستراسبورغ كما في بروكسل، ستكون أصعب. وتثبت حقيقة إعلان وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني منذ البداية يوم الأحد "مولد أوروبا جديدة" تصميمه على الحصول على ما لم يقبله القوميون حتى الآن، وهو مجموعة برلمانية فريدة من نوعها، قد تصبح القوة السياسية الثالثة في الجمعية، لكن عند هذا المستوى أيضا، كان لصناديق الاقتراع كلمتها.

لكن الكاتب بين أن رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان المستبد ينتظر أن يتودد إليه محافظو حزب الشعب الأوروبي الذين سيحتاجون إلى نوابه المنتخبين الذين يبلغ عددهم حوالي 15 فردا. وينطبق الأمر ذاته على البولنديين في حزب العدالة والقانون البولندي الحاكم، الذين يخشون أن يكونوا في مجموعة تعج بالقوميين المؤيدين لروسيا.

وبين الكاتب أن أفضل منظري البراغماتية هو زعيم حزب البريكست، نايجل فاراج، الذي يطالب باحترام الانسحاب الذي قُرر يوم 23 يونيو/حزيران 2016 بعد وصول نسبة تأييد البريطانيين له إلى 51.9%. ونظريا، حالما تنسحب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيتخلى نوابها الأوروبيون الـ29 عن ولايتهم البرلمانية، مما سيفتح الباب أمام زيادة ممثلي بعض الدول الأخرى.