العدد 1538 /23-11-2022

تتصاعد وتيرة الصراع وتتشابك مساراته، بين سلطات المجلس الرئاسي اليمني والانفصاليين الجنوبيين الممثلين في المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، وهو ما يثير أسئلة عدة حول سياقاته وتوقيته.

ومنذ أسابيع، ينشر المجلس الانتقالي الوعيد في كل اتجاه، ويلوح بتصعيد غير مسبوق ضد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، والعودة إلى ما كان يعرف بـ"الإدارة الذاتية" لمحافظات الجنوب التي أعلنها في نيسان 2020، وتخلى عنها بعد أشهر في تموز من العام ذاته.

وفي السياق، تبادل المجلس الانتقالي والحكومة التي يقودها، معين عبدالملك، الاتهامات بالتورط بملفات فساد مالي، حيث جرى تسريب معلومات تفيد بأن عمدة عدن (العاصمة المؤقتة للبلاد)، أحمد لملس، الذي يشغل منصب الأمين العام للمجلس الانتقالي، نهب 30 مليار ريال (26 مليون دولار أمريكي تقريبا)، وفق ما نشره موقع "المصدر أونلاين" المحلي.

ومن تجليات هذا الصراع المحتدم، الهجوم الذي شنه الرجل الثاني في المجلس الانتقالي ناصر الخبجي، ضد عضو المجلس الرئاسي، وعمدة محافظة مأرب الغنية بالنفط (شرق)، سلطان العرادة، ووجه له اتهامات عدة منها: "رفضه التخلي عن منصبه كمحافظ لمحافظة مأرب، ورفضه توريد إيرادات المحافظة النفطية إلى خزينة البنك المركزي في عدن".

"حلقة صراع جديد"

وتعليقا على هذا الموضوع، يرى عبدالكريم السعدي، رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية، أن هذا الصراع الجاري اليوم، وإن اختلفت أسبابه، إلا أنه لا يعدو عن كونه حلقة من حلقات صراع الأمس الذي خاضته جماعة الانتقالي نيابة عن دولة الإمارات ضد الرئيس هادي ورئيس الحكومة السابق أحمد بن دغر، والميسري (وزير الداخلية السابق) والجبواني (وزير النقل السابق) وابن عديو (عمدة محافظة شبوة) ومحروس (عمدة أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي)، وغيرهم من العلامات المتبقية من مؤسسات الدولة.

وقال السعدي إن "تركيبة جماعة الانتقالي وأهدافها غير المعلنة، هي أن تبقى محافظات الجنوب دون مؤسسات دولة، حتى تأتي اللحظة التي تستطيع هذه الجماعة امتلاك حق تمثيل أبنائها، والانفراد بذلك التمثيل بعد ذلك".

وأضاف القيادي في الحراك الجنوبي السلمي، أن هذه هي "معركة "الانتقالي" المحلية الحقيقية، التي تحتل المرتبة الثانية في برنامجها بعد معركة الإمارات الماسة بالسيادة الوطنية، التي تعمل جماعة الانتقالي كسمسار لتنفيذ أجندتها".

وأشار إلى أن مشروع جماعة الانتقالي هو "نشر الفوضى في محافظات الجنوب، وما يحصل في عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، خير دليل على صحة هذا التوجه"، مؤكدا أن غياب المشروع الوطني عند المجلس الانتقالي وبعض الجماعات التي فرضتها مشاورات الرياض كنواة لصنع أرضية للحل القادم في اليمن، جعلها "تقع فريسة لسياسة ردات الفعل، وتحت تأثير رياح صراعات مصالح الإقليم الذي استفاد ويستفيد هو الآخر من عملية الفوضى الممنهجة، التي تعصف بمحافظات الجنوب اليمني".

وتابع: وهذا الفشل ظاهر، ويلمسه الجميع في مجالات الحياة. فالرجل وجد في موقعه بناء على اتفاق طرفي التحالف (السعودية والإمارات)، وليس بمقدوره اتخاذ أي قرار دون الرجوع إليهما، التي غالبا، ما تكون على غير وفاق في كثير من الأمور، ينعكس سلبا على حياة الناس في تلك المحافظات.

ولفت إلى أن صحوة المجلس الانتقالي تجاه فشل رئيس الحكومة، كان لافتا، وجاءت متأخرة جدا، رغم أن الرجل حظي بفترتين في رئاسة الحكومة، وعلاقاته بالمجلس طيلة تلك المدة، أكثر من ممتازة.

ودعا رئيس تجمع القوى المدنية في جنوب اليمن، المملكة السعودية العمل على تغيير وسائل تعاملها مع الأزمة اليمنية والابتعاد عن تقاسم العملاء، ومن ثم اتخاذ خطوات شجاعة بالتعامل مع القوى الوطنية الحقيقية، التي مازالت حتى اللحظة خارج المشهد السياسي".

"خلافات وغربلة"

من جانبه، قال الصحفي والناشط السياسي اليمني، صلاح السقلدي؛ إن موضوع الفساد ليس أكثر من نافذة يطل من خلالها خلاف سياسي عميق بين المجلس الانتقالي الجنوبي والقوى والأحزاب المنضوية بمجلس القيادة الرئاسي والحكومة.

وأضاف السقلدي لـ"عربي21"، أن الاتهامات المتبادلة التي ظهرت بقوة مؤخرا على السطح، تنطوي على أمور أبعد من الفساد الذي هو ليس وليد السنوات الثماني الأخيرة.

وتابع: "فتوقيت اتهامات كهذه، أريد لها أن تظهر هذا الوقت الذي تعصف فيه الخلافات السياسية، وتتفاقم بشكل ملحوظ بين هؤلاء الشركاء (الأعداء)، كتوظيف سياسي من كل طرف تجاه الآخر".

ومع ذلك، يشير الصحفي اليمني إلى أن هذا النبش في ملفات الفساد، "يجب ألا تُمر مرور الكرام، ويجب التوقف حيالها من قبل كل المخلصين، بعيدا عن التوظيف والتجيير السياسي، خصوصا والموضع يتعلق بعشرات، إن لم نقل مئات الملايين من الدولارات المنهوبة و المهدورة، في ظل أوضاع معيشية تسحق العوام من الناس دون شفقة".

وأكمل: "ومن ثم، نرى كل طرف يتطلع إلى مرحلة ما بعد مجلس القيادة، ويريد كل طرف حجز مكانة له بالتوليفة القادمة والظفر بثقة ورضاء التحالف، خصوصا أن ثمة مشاورات معلنة وغير معلنة تخوضها السعودية مع جماعة الحوثيين، قد تطيح بقوى كبيرة لمصلحة الجماعة، إذا ما وجدت من المملكة ومن المجتمع الدولي تنازلات لمطالبهم".