العدد 1436 / 11-11-2020

محمد فاروق الإمام

تشكل الانتخابات الرئاسية الأمريكية حدثًا هامًا بالنسبة لأنظمة الدول العربية الحليفة لواشنطن، إذ ترتكز سياساتها الخارجية والداخلية بشكل كبير على التنسيق مع الولايات المتحدة، مما يجعل من اسم الساكن الجديد للبيت الأبيض محل ترقب ودراسة من جانبها.

أما ما يتعلق بالمصالح العربية من تلك الانتخابات فهي تتوزع حسب تصنيف هذه الدول من منظور الولايات المتحدة الأمريكية، تحديدا في ظل غياب الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة في معظم الأقطار العربية، وبالتالي فالمصلحة الأولى والأخيرة للدول العربية من علاقاتها مع الولايات المتحدة أو مع غيرها هو المحافظة على الوضع الكائن، وبكلمات أخرى الاستمرارية في الحكم دون النظر لأي مصالح أخرى. لذا فإن المصالح الأمريكية تتمثل بمصالح وطنية عليا؛ بينما المصالح العربية تتمثل في المجمل في المصالح الفردية المرتبطة بأنظمة الحكم السائدة، ومدى استفادة كل بلد من الإدارة التي تحكم أمريكا.

على الجانب الآخر، تبدو الأجواء أكثر قلقا من ناحية العرب، في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، وهو ما يزيد التساؤلات المصحوبة بالقلق لدى الحلفاء العرب لأمريكا، خصوصًا في ظل خلفيته السياسية، مرشحًا للحزب الديمقراطي ونائبًا للرئيس السابق باراك أوباما، بما يعني أنه يحمل رؤى مناقضة لتوجهات ترامب في كثير من القضايا نحو الدول العربية.

فخلفية الرجل السياسية، وتصوراته لشكل العلاقة مع الشركاء العرب، والتي سبق أن شارك في صياغتها خلال فترة شغله منصب نائب الرئيس السابق، ستحمل الكثير من السيناريوهات، لعل أبرزها صدام مع بعض الدول.

دول الخليج والعلاقة مع أمريكا

ويُعد بناء علاقة جيدة ومنسجمة بين دول الخليج وواشنطن أولوية لكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري على مدار العقود الماضية، فدول الخليج بالنسبة لواشنطن هم حلفاؤها الأهم في المنطقة العربية، وأكبر عملاء لشراء الأسلحة والخدمات العسكرية الأمريكية.

الحال ذاته ينطبق على حكام هذه الدول التي ترى في واشنطن، التي تتمركز قواعدها العسكرية في عواصمها، خط الدفاع الأول ضد أي تهديد عسكري محتمل يهدد أمنها القومي.

وتحظى طبيعة العلاقات المُحتملة بين واشنطن في عهد بايدن ودول الخليج بأهمية كُبرى وترقب أكبر لما سيفعله الرئيس المُحتمل، في ظل الخلافات الواسعة داخل مجلس التعاون الخليجي، وكثير من القضايا الداخلية لهذه الدول التي غضت عنها الإدارة الأمريكية الحالية البصر.

كيف ستكون طبيعة العلاقة بين واشنطن والرياض إذا فاز بايدن؟

حال صعود بايدن لمنصب الرئيس في البيت الأبيض، يبدو أنه من المؤكد تغير نمط العلاقة المُحتمل بين واشنطن والرياض، خاصة في ظل معارضة الرجل ومساعديه لسياسة ترامب الخارجية مع الرياض خلال ولايته.

وهذا لا يعني أن التوتر سيخيم على العلاقة بشكل دائم، أو أن بايدن سيدفع لتصعيد عنيف كقطع العلاقات، فالرجل مؤمن بضرورة استمرار العلاقات بالتزامن مع ممارسة واشنطن ضغوط فعلية على الرياض لإنهاء "الحرب المأساوية" في اليمن، على حد تعبيره، وإعادة تقييم العلاقة بشكل عام حتى لا ينتهي الحال بحلفاء واشنطن، في إشارة لقادة السعودية، أشخاصًا "منبوذين"، كما وصفهم في مناظرة مع مرشحي الحزب الديمقراطي السابقين قبل شهرين.

أحد القضايا الداخلية التي تؤرق بايدن في تعامله مع الرياض هي القضايا الحقوقية، وأبرزها مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والتي تستدعي، وفقًا له، ممارسة ضغوط على قادة السعودية لاحقًا من أجل علاقات "صائبة".

أيضا؛ لخص محللون سياسة بايدن ومستشاريه تجاه حلفاء واشنطن بوصفها سياسة "تقاسم الأعباء"، التي سيُلزم بها حلفائه في الشرق الأوسط، ولن تستمر سياسة التعويل المُطلق على واشنطن لحل قضاياهم، خصوصًا مع نفور الجمهور الأمريكي من الانخراط الدولي، وبالأخص العسكري، في قضايا الشرق الأوسط.

وذكر تحليل منشور في مركز بحثي بواشنطن، قبل شهر، أن وصول بايدن للحكم سيعكس سياسة خارجية مختلفة للولايات المتحدة ستكون المفتاح لإقامة علاقة يتم تصويبها مع المملكة العربية السعودية والشركاء الخليجيين الآخرين، ويؤكد في الوقت ذاته أن تهديدات الإرهاب الدولي والهيمنة الإيرانية وغيرها من المخاوف المشتركة توفر أساسًا صلبًا لإعادة إحياء الشراكة، إذا تمت إعادة تقييمها من جديد، في عهد بايدن. وهو ما يعد مؤشرًا مهمًّا على تغير قد يطرأ في علاقة واشنطن مع الشركاء الخليجيين.

الانتخابات الأمريكية وجائحة كورونا

كما أنه علينا أن لا نغفل أن الانتخابات الأمريكية تزامنت مع أزمة جائحة كورونا التي يشهدها العالم لا سيما أمريكا التي سجلت حتى الآن أكثر من 9 ملايين و400 ألف إصابة وتخطت الوفيات حاجز الـ200 ألف، ولربما هذا هو الملف الذي يلاحق ترامب في هذه الانتخابات ويرى العديد من الناخبين أنه فشل في الاستجابة للوباء، كما أن عدد الناخبين الذين خرجوا للتصويت المبكر كان قياسياً إذ تجاوز 90 مليون صوت.

المتنافسان على البيت الأبيض لا رغبة لهما في الانغماس في مشاكل الشرق الأوسط

وسواء فاز ترامب أو بايدن لن يرغب الطرفان في الانغماس أكثر في المنطقة العربية، إذ لا ترغب الولايات المتحدة التدخل بشكل مباشر بالملف الليبي إنما تكتفي في أن يكون الدور الروسي محدوداً في روسيا.

أما عن الملف السوري فمن المتوقع أن يذهب ترامب للمفاوضات وسيعمل على بناء سورية جديدة عبر الطريقة السياسية وليس عبر الهجمات العسكرية.

أما بايدن في حال أصبح رئيساً فهو يفضل أن يبقى الأمر كما هو في سورية وليبيا وذلك خدمة لبعض المصالح الأمريكية من وجهة نظر الديمقراطيين الذين يمثلهم بايدن.

وفيما يخص الملف العراقي فإن كلاً من بايدن وترامب اتفقا على دعم الحكومة الحالية لتقوم بوضع حد للدور الإيراني في العراق، وفي حال كان ترامب هو المنتصر سيكتفي بضربات عسكرية بسيطة جداً تلحقها ضغوط سياسية دبلوماسية وأمنية على الحكومة العراقية.

الملف الإيراني وحضوره البارز

أما عن الملف الإيراني فإن هناك احتمالاً كبيراً أن يعقد بايدن صفقة للرجوع للاتفاق النووي مع إيران، ولن يقوم بالحد من الدور الإيراني ما يعني أنه في زمن بايدن قد يكبر ويعود الغول الإيراني للمنطقة مرة أخرى، وقد يقوم بايدن في الثلاثة أشهر الأولى من رئاسته بمغازلة إيران.

الكيان الصهيوني وسبب انحيازه لترامب

أما من ناحية الكيان الصهيوني فإن أكثر التحليلات السياسية تشير إلى رغبة الكيان بفوز ترامب ليكمل مسيرة التطبيع بين الدولة العبرية والعديد من الدول العربية لتصل في نهاية المطاف لعقد صفقة مع الفلسطينيين شبيهة باتفاقية أوسلو.