العدد 1503 /9-3-2022

بات الشارع السوداني محاصراً بأزمات معيشية طاحنة على وقع تعويم الجنيه وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وقفزات أسعار النفط العالمية وانعكاساتها السلبية على الأسواق المحلية.

واجتاحت الأسواق موجات متتالية من غلاء الأسعار للسلع والخدمات الضرورية في ظل السياسات الحكومية التي تستهدف تخفيف حدة الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها، بالإضافة إلى تداعيات ارتفاع أسعار الوقود.

وأعلن بنك السودان المركزي، أول من أمس، سياسة جديدة لتعويم الجنيه السوداني، تحت مسمى توحيد سعر صرف الجنيه.

ويواجه الاقتصاد السوداني تدهوراً في مختلف القطاعات وتدنت قيمة العملة المحلية في السوق الموازية، كما تضاعفت أسعار السلع والخدمات الضرورية، فضلا عن شح في الدواء.

وفي هذا السياق، قال المحلل المصرفي، والمدير السابق لبنك النيلين، عثمان التوم، لـ"العربي الجديد" إن توحيد سعر الصرف لن ينجح في كبح جماح السوق الموازي حتى وإن تساوى سعر الدولار في المصارف والصرافات مع سعر السوق لأن ذلك لا يغطي الطلب العالي على الدولار مقارنة بالمعروض منه.

وأشار التوم إلى أن عدم قدرة الحكومة على زيادة مواردها من النقد الأجنبي من خلال تنشيط الصادرات والإنتاج من شأنه تعميق الفجوة في النقد وفشل الحكومة في مجاراة أسعار الدولار في السوق الموازي.

وقال تجار عملة لـ"العربي الجديد" إن هذه السياسة تؤدي لمعاودة تعامل المواطنين مع المصارف لفترة محددة بسبب توحيد سعر الصرف ولكن ذلك لن يصمد طويلا بسبب شح النقد الأجنبي بالمصارف ما يضطرهم للعودة مرة أخرى للمصارف لتغطية احتياجاتهم من الدولار ما يؤدي لارتفاع سعر الصرف الذي يبلغ حاليا 560 جنيها للشراء و570 جنيها للبيع في السوق السوداء بينما يبلغ رسميا نحو 445 جنيها للشراء و448 جنيها للبيع.

تصاعدت الشكاوى من موجات غلاء متواصلة خلال الفترة الأخيرة في ظل ضعف الرقابة وتخبط السياسات الحكومية. وفي هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي، هيثم فتحي، لـ"العربي الجديد" إن معدل سعر صرف الدولار سوف يخضع لموجات الطلب والعرض، ويرتفع وينخفض وفقاً لهذه القاعدة.

وأضاف: "في هذه الحالة ومع تحرير سعر الصرف للعملات الأجنبية فإن المستهلك هو المتضرر الأول من ذلك، حيث يستورد السودان أكثر من 70% من إجمالي احتياجاته من جميع السلع والمنتجات، ومع قيام الحكومة بتعويم الجنيه فإن ذلك سوف يتسبب في موجات صعبة من ارتفاعات الأسعار، وبالتبعية سوف ترتفع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية".

وحسب جهاز الإحصاء السوداني الحكومي، فإن معدل التضخم بلغ 359.09% في عام 2021، ارتفاعا من 163.26% في عام 2020.

ولفت فتحي إلى أن قرار التعويم القصد منه تقليل الضغط على البنك المركزي في ما يتعلق بحجم احتياطيات العملة الأجنبية فيه، لكن هذا العامل في الاقتصاد الكلي ليس مهما كثيرا، وإنما الأهم أن انخفاض قيمة العملة الوطنية نتيجة التعويم سيؤدي إلى زيادة الصادرات لأن السلع السودانية المعدة للتصدير ستكون رخيصة بسبب تراجع الجنيه.

وفي المقابل، ستصبح الواردات أغلى كثيرا، ومن ثم سيصعب على المواطن السوداني شراء الكثير من السلع المستوردة لارتفاع أسعارها بشدة، حسب فتحي.

وتأتي تأثيرات قفزات أسعار النفط العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد من متاعب السودانيين المعيشية.

وتوقعت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي زيادات جديدة في أسعار الوقود بسبب الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وعزت ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط بنسب كبيرة. ولامس سعر برميل النفط عالمياً 140 دولاراً هذا الأسبوع قبل أن يتراجع لمستويات أقل.

وتوقع وزير الطاقة والنفط الأسبق، عادل علي إبراهيم، في تصريحات صحافية ارتفاع أسعار الوقود في السودان الأسابيع القليلة القادمة على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا. ولكنه يرى أن موجة هبوط ستأتي عقب هذه الارتفاعات، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية بدأت تسحب من مخزونها الاستراتيجي، ورغم خطورة هذه العملية إلا أنها ستوازن السعر.

وأضاف إبراهيم أن هناك عاملا آخر كان سببا في زيادة الأسعار عالميا تزامنا مع الأزمة الجيوسياسية الأوكرانية وهو انخفاض ما يسمى بالإمكانية الاحتياطية من 5 ملايين برميل إلى 2.8 مليون برميل حسب تقديرات (جي بي مورغان) في الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى الغياب المتوقع لكميات النفط والغاز الروسي عن البورصة العالمية بسبب حظر البنوك الروسية.

ويرى أستاذ الاقتصاد، محمد شيخون، أن رفع أسعار الوقود بهذه النسبة العالية ستكون له انعكاسات كارثية على المستهلك العادي.

ويقول شيخون لـ"العربي الجديد" إن أكثر من 60 بالمائة من السودانيين يعيشون حاليا تحت خط الفقر، وسيتأثرون أكثر بهذه الزيادة التي ستنعكس مباشرة على تكلفة النقل، وبالتالي أسعار السلع والخدمات الأساسية. ويضيف: قبل الزيادة كان المستهلك يعاني كثيرا من أجل توفير احتياجاته الأساسية، ومن المؤكد أن الزيادة الحالية ستفاقم الأوضاع وتزيدها سوءا.

ويقول المحلل الاقتصادي توفيق إبراهيم، لـ"العربي الجديد" إن هذه الزيادة الضخمة في أسعار الوقود ستضاعف التكاليف الإنتاجية للسلع والخدمات، وستؤدي بالتالي إلى انهيار كبير في العديد من القطاعات الإنتاجية ومن ثم زيادة معدلات البطالة واتساع قاعدة الفقر بالبلاد وزيادة تمزيق العلاقات الاجتماعية.

ويشير إلى أن معظم أصحاب الدخول الثابتة وأصحاب الأعمال والأنشطة الصغيرة والمتوسطة سيجدون صعوبة كبيرة في القدرة على الاستمرار بالسوق، بسبب التراجع الكبير المتوقع في القوة الشرائية للمستهلك.

ويؤكد إبراهيم أن الأثر الأخطر لهذه الزيادة سيتمثل في رفع معدلات التضخم التي يتوقع أن تصل إلى 500 بالمائة أو أكثر على المدى القريب مقارنة بنحو 360 بالمائة في الوقت الحالي بسبب ارتفاع التكاليف الإنتاجية والخدمية.

وعزا قرار الزيادة في أسعار الوقود والسلع إلى الإجراءات التي ظلت تتخذها الحكومة خلال الفترة الأخيرة، للوفاء بمتطلبات صندوق النقد والبنك الدوليين ومؤسسات التمويل الأخرى للوصول إلى "نقطة القرار" المطلوبة لإعفاء السودان من نحو 80 بالمائة من الديون الخارجية.

ومن جانبه، يقول الخبير الاقتصادي عادل عبد المنعم، لـ"العربي الجديد": سيتأثر السودان بأي زيادة عالمية للنفط، لأنّه يستورد أكثر من نصف احتياجاته من الوقود البالغ قيمتها ملياري دولار، مشيراً إلى أن زيادة تكلفة استيراد الوقود تسبب عجزاً كبيراً في النقد الأجنبي، خصوصاً مع تناقص موارد السودان من العملة الحرة، ومنها تحويلات المغتربين.

عاصم إسماعيل