العدد 1502 /2-3-2022

تتحدث مصادر دبلوماسية مصرية عن مساع إثيوبية حالياً "لإحداث وقيعة بين مصر والسودان، بحثاً عن اختراق يضعف موقف القاهرة في أزمة سد النهضة"، متوقفة عند وجود "اضطراب في الموقف السوداني تجاه قضية السد". وعزت الارتباك إلى "تباين الرؤى داخل دوائر صناعة القرار السوداني في الوقت الراهن".

وأوضحت المصادر، أن "الأطراف التي تتبنى رؤية التعاون مع مصر والبقاء على موقف موحد بين البلدين بشأن أزمة سد النهضة، تواجه ضغوطاً شديدة من القوى التي تميل للجانب الإثيوبي، والتي تتبنى رؤية خاصة بأن للسودان مصالح أكبر في تشغيل السد وإدارته بالتوافق مع الجانب الإثيوبي".

وبحسب المصادر الدبلوماسية فإن "فريقاً داخل الدوائر السودانية المعنية بإدارة ملف أزمة السد هناك، لديه اقتناع بأن مصالح القاهرة والخرطوم في ما يخص الأزمة تختلف بدرجة كبيرة، وأن التعاون بين البلدين لا بد أن يكون له حدود وأطر واضحة، وليس تفويضاً سودانياً على بياض".

ولفت إلى أن "هذا الحديث نقل للجانب المصري عبر مسؤول سوداني رفيع المستوى، خلال حديثه بشأن الضغوط الداخلية التي يتعرض لها".

وتواجه مصر أزمة أخيراً بسبب تنامي حالة الرفض لأية أدوار للنظام المصري في الأزمة السياسية التي يشهدها السودان، بين المكون العسكري، وقوى المعارضة هناك، في ظل اتهامات للمسؤولين في القاهرة، بدعم الانقلاب الذي نفذه رئيس مجلس السيادة في الخرطوم عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول الماضي، ومساندة عسكر السودان في قمع المتظاهرين.

من جانبه، يقول مصدر معني بمتابعة ملف أزمة السد لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة "رصدت تحركات إثيوبية واسعة خلال الفترة الماضية، نحو بعض قوى المعارضة في السودان، بهدف إعادة توجيه بوصلة العلاقات مجدداً".

ويكشف أن أديس أبابا "عرضت أخيراً على الجانب السوداني قناة تواصل ثنائية، بين البلدين بشأن الجوانب الفنية وتبادل المعلومات الخاصة بإدارة حركة المياه".

ويوضح أن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد "عرض على مسؤولين في السودان أخيراً، آلية تضمن التنسيق المشترك بين البلدين، لحين التوصل لاتفاق"، مشيراً إلى أن "الخطاب الإثيوبي يروّج أن مصر تستخدم الموقف السوداني للوصول إلى أهدافها فقط، على الرغم من أن الأهداف السودانية يمكن أن تتحقق دون الدخول في عداء مع إثيوبيا".

ويشير المصدر إلى أن المسؤولين في القاهرة "أكدوا لحلفاء لهم داخل الإدارة السودانية، أنهم سيضغطون بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، للتسريع بالذهاب لجلسة مفاوضات جديدة، وقطع الطريق على الفريق الراغب في الدخول في مفاوضات ثنائية مع إثيوبيا".

رفض سوداني لموقف موحّد مع مصر

ويلفت إلى أن الجانب السوداني المتحالف مع مصر "أكد أنه قد يضطر إلى الرضوخ للفريق المتبني لوجهة النظر الرافضة لموقف موحد مع مصر، في حال اقترب موعد الملء الثالث للسد في يوليو/تموز المقبل، من دون التوصل لاتفاق ملزم مع إثيوبيا أو على الاقل انطلاق جولة مفاوضات جديدة، تضمن حصول السودان على معلومات دقيقة بشأن عملية الملء، لعدم تعريضه لأضرار كما حدث في السابق".

من جانبه، قال مصدر فني مسؤول مطلع على الأزمة، إن "مسؤولين فنيين في الجانب السوداني تواصلوا بشكل غير رسمي مع فريق الخبراء المصري، بشأن عرض إثيوبيا تزويد الخرطوم ببيانات الملء الثالث"، مؤكداً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن مصر "لم تتلق أي معلومات رسمية من الجانب الإثيوبي منذ بدء هذه العملية التجريبية".

كانت الخارجية الإثيوبية أكدت على لسان المتحدث باسمها دينا مفتي أن موقف السودان من سد النهضة يخدم طرفاً ثالثاً، في إشارة لمصر، وليس السودانيين. ويأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه وزير الري والموارد المائية السوداني، عبد الرحمن منصور، إنه يجب التوصل لتفاهمات بين السودان ومصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة.

ودعا الوزير السوداني خلال استقباله السفير المصري في الخرطوم حسام عيسى مساء أول من أمس الإثنين الماضي، إلى التأسيس لعملية تفاوضية سلسة وفعالة تحقق مصالح الشعوب، وأكد أن السودان "يحتاج إلى تحريك الملف لأنه يتأثر سلباً من طول أمد التفاوض". وجاء لقاء الوزير السوداني والسفير المصري من أجل "تحريك ملف التفاوض المتوقف منذ فترة".

من جهته قال دبلوماسي مصري سابق، خبير في الشؤون الأفريقية لـ"العربي الجديد"، إنّ "السودان قد يكون تعرض لخدعة جديدة من قبل إثيوبيا، ووعِد بكميات من المياه والكهرباء المولدة من السد بأسعار قليلة، وأنه لا مساس بحصته من مياه النيل، كما حدث في بداية الأزمة".

وفسّر المصدر الموقف السوداني الأخير بأنه "عودة للمربع رقم واحد في الأزمة، عندما كان السودان يميل للجانب الإثيوبي، حتى أن وسائل إعلام سودانية كانت تتهم مصر صراحة بالتهويل".

وأضاف الدبلوماسي أن بيان وزارة الري والموارد المائية السودانية، يعبّر عن "تغيير في الموقف السوداني من أزمة سد النهضة الإثيوبي".

وأوضح أن السودان "دائماً كان يؤكد موقفه الثابت في ملف سد النهضة، المتمثل في ضرورة الوصول إلى اتفاق قانوني بشأن ملء وتشغيل السد، وذلك ما أورده بيان سابق لوزارة الري السودانية قبل أيام قليلة، وهو ما يتفق كلياً مع الموقف المصري في هذه الأزمة".

وأشار إلى أن "لهجة الحكومة السودانية تغيرت في البيان الأخير، الذي دعت فيه إلى التوصل لتفاهمات بين السودان ومصر وإثيوبيا تؤسس حول عملية تفاوض سلسلة وفعالة، تحقق مصالح الشعوب في سد النهضة الإثيوبي، على حد قول بيان وزارة الري السودانية، من دون التأكيد على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني بشأن قواعد ملء وتشغيل السد".

عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي

وأشار المصدر إلى أنه "مع تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي فإنه لن نستطيع المضي في عمليات تفاوضية جديدة حول أزمة سد النهضة، خاصة من الناحية الإجرائية بسبب هذا القرار".

ورجّح أن "تكون مساعي السودان الهادفة لأن يفك الاتحاد الأفريقي تجميد عضويته في القريب العاجل، وحواره المستمر مع الأجهزة القيادية بهذه المنظمة، ومقرّها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، خلال الفترة الماضية، شملت تقديم تنازلات في قضية سد النهضة لصالح إثيوبيا ذات الثقل الكبير في المنظمة".

وأشار المصدر إلى أن مصر "فعلت ذلك في السابق عندما تعرضت لتعليق عضويتها بمنظمة الاتحاد الأفريقي، بعد انقلاب 30 يونيو/حزيران 2013، لأن الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي سبيل الحصول على اعتراف دولي بحكمه، وفك تعليق عضوية مصر بالمنظمة، قدم تنازلاً هو الأخطر في تاريخ البلاد، عندما وقع على اتفاقية إعلان المبادئ بشأن سد النهضة الإثيوبي في عام 2015، في العاصمة السودانية الخرطوم، مع نظيره السوداني الرئيس المخلوع عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايله ميريام ديسالين. وثيقة كانت بمثابة اعتراف كامل بحق إثيوبيا في بناء السد الذي سوف يؤدي إلى كوارث بيئية وإنسانية في كل من مصر والسودان، وكل ذلك كان في سبيل الاعتراف بالسيسي رئيساً لمصر".