العدد 1503 /9-3-2022

شارك آلاف الفلسطينيين في تشييع الشهيد يامن جفّال (15 عاماً)، مساء الثلاثاء، إلى مثواه الأخير في مقبرة بلدة أبو ديس جنوب شرق القدس المحتلة، وسط حضور ملثمين ومسلحين يرتدون شعارات الفصائل العسكرية لـ"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" وحركة "فتح" في ظل تكبيرات وهتافات تدعو للانتفاضة، وإطلاق نار في الهواء أحيانًا تحية لروح الطفل الشهيد.

لكن المشهد في الصفوف الخلفية من الجنازة كان مغايراً قليلاً، حيث ظهرت والدة الشهيد وسط نسوة يمسكن بيديها، وعلامات الحزن الشديد تبدو عليها لفقدان طفلها الذي استشهد برصاص الاحتلال الإسرائيلي مساء الأحد الماضي. لكن حزنها لم يمنعها من ترديد بعض الكلمات التي كانت النسوة يرددنها كهتافات تحيي الشهيد، وأخرى تدعوا النسوة لإطلاق الزغاريد، التي انطلقت فعلاً، بل وكذلك ترديد أغنية: "يا أم الشهيد وزغردي كل الشباب ولادكي، يا أم الشهيد تمردي، الموت ولا المذلة".

ووصل الآلاف من الفلسطينيين من أبو ديس مسقط رأس الشهيد وخارجها إلى مقبرة البلدة، حاملين الجثمان على الأكتاف ووالده أيضا نافز جفال.

وبالقرب من المقبرة، تحدثت والدة الشهيد سميرة الصياد لـ"العربي الجديد" وهي تحاول استجماع قواها وتذكر ما علق في ذهنها من أحاديثها معه.

فقد كان يامن قبل استشهاده كما تروي والدته، يجمع الأموال من مصروفه في "الخزانة" (الحصالة) لتأمين ثمن هدية لها في عيد الأم دون أن يكتب له ذلك، وتقول: "أراد أن يشتري لي هدية لعيد الأم، لكنه اليوم أعطاني أكبر هدية في العالم"، في إشارة لاستشهاده.

يامن الذي كان يتابع تعليمه بالمدرسة، كان حنونا كما تقول والدته، وكان في يوم استشهاده قد طلب منها أن يقبل يدها، لكنها رفضت قائلة له إنها تخجل من ذلك أمام الناس في الطريق، لكنه أصر وقال لها: "إن رفضت فسأقبل رجلك، فأنت أمي أضعك على رأسي".

ومما ذكرته الصياد في لحظات حزنها تلك، أنها أرادت إطلاق عصفور من قفص قبل ثلاثة أيام من استشهاده، فقال لها يامن: "تخيلي لو كنت عصفوراً ووضعت في قفص! لن أستطيع البقاء في القفص، بل أريد أن أطير في السماء".

وحول إطلاق النار على ابنها وقتله، تقول والدته: "طفل بعمر 15 عاماً، لماذا أطلقتم عليه الرصاص؟ أنا أتهمهم، هم قتلوه، جيش الاحتلال قتل ابني بدم بارد، حسبي الله ونعم الوكيل".

أما نافز والد الشهيد فقال لـ"العربي الجديد": "هو احتلال بالكذب والعنجهية والبطش، لا رواية صحيحة لديه، الشيء الحقيقي أننا شعب محتل من حقه أن يناضل، ويامن ومن على شاكلته آلاف ناضلوا، هو اغتيل بدم بارد من قبل قناص حاقد أطلق الرصاص، دون أن يكون هناك أي شيء يستدعي اغتياله بهذا الشكل، ولكن هو نهج الاحتلال القائم على قتل كل ما هو فلسطيني، ولا يفرق بين شبل وامرأة ورجل"، وبنظر والد الشهيد فإن "الكل مستهدف".

وتابع قائلا: "يامن العزيز أحد أبناء الشعب الفلسطيني، اليوم أعطاني وساماً بشهادته، واليوم مع كل الفخر أضع عيني بعين أهالي الشهداء، فاليوم صرت مثلهم أباً لشهيد، أبناؤنا أعزاء علينا ولكن غلاوة الوطن بغلاوة ابني يامن الذي ضحى بدمه كرمال (من أجل) قضية عادلة وكرمال وطنه، وما دام الاحتلال فالأصبع ستظل على الزناد".

من جهته، قال عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الديمقراطية" وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رمزي رباح لـ"العربي الجديد": "نحن أمام مشهد مروع، فقد ارتقى ثلاثة شهداء فلسطينيين بينهم الطفل يامن بنيران الاحتلال"، مضيفا أن "الاحتلال يستبيح الدم الفلسطيني، ويعتبر أن إطلاق النار والقتل أصبح مهنة مشرعة بالقانون الإسرائيلي، حيث سيكون كل من يلقي حجراً أو يخرج بمسيرة، عرضة للقتل ولإطلاق النار".

وأضاف رباح "الاحتلال يهدف بذلك لكسر إرادة وعزيمة الشعب الفلسطيني، وخاصة الجيل الشاب"، لكنه استدرك بالقول إن "الاحتلال لن ينجح، خاصة مع مشاركة آلاف المشيعين من الشبان الذين هتفوا باسم الشهيد"، مطالباً القيادات الفلسطينية بالتعلم من الشبان وتوحيد الصفوف.

وكانت سلطات الاحتلال سلمت عصر اليوم الثلاثاء، جثمان الشهيد جفال عند حاجز الزْعَيِّم العسكري الإسرائيلي شرقي القدس، ليتم نقله لاحقاً إلى مستشفى مدينة أريحا الحكومي شرقي الضفة الغربية، قبل نقله إلى مركز للطوارئ في بلدته أبو ديس، ونقله إلى منزله لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، وثم أداء صلاة الجنازة في المسجد القديم للبلدة ومواراته الثرى.

وكان جفّال استشهد متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال مساء الأحد، بعد وقت قصير من إصابته عقب مواجهات اندلعت في أبو ديس مع قوات الاحتلال، وقام الاحتلال بنقل جثمانه واحتجازه قبل تسليمه اليوم.

وكانت قوات الاحتلال أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة صوب مركبة الإسعاف التي توجهت لإنقاذ يامن في حينها، ومنعتها من الوصول إليه، ما أدى لإصابة عدد من الفلسطينيين بحالات اختناق.

يذكر أن جيش الاحتلال كان أصدر أواخر العام الماضي، تعليمات متساهلة لجنوده بشأن فتح النار والضغط على الزناد في استهداف للشبان الفلسطينيين من ملقي الحجارة في الضفة الغربية المحتلة، حيث أتاح جيش الاحتلال لجنوده إطلاق النار على ملقي الحجارة والزجاجات الحارقة (مولوتوف)، حتى بعد الانتهاء من عملية إلقاء الحجارة، وأثناء انسحاب الشبان من المكان، ويواصل الاحتلال احتجاز 95 جثمان شهيد في ثلاجاته كسياسة عقاب لأهالي الشهداء، بينهم 10 أطفال.

جهاد بركات