العدد 1545 /11-1-2023

على الرغم من أن الأغلبية الساحقة من جنود الجيش الإسرائيلي هم من العلمانيين، فإن جمعيات وحركات دينية متطرفة تتولى مسؤولية تقديم الأنشطة التوعوية داخل المقرات العسكرية بالتنسيق مع قيادات الجيش.

وقف أحد الحاخامات، مطلع الأسبوع الماضي، أمام 400 من الضباط والجنود في دورة تنظمها "المدرسة المهنية" لسلاح المشاة في الجيش الإسرائيلي، ليحدثهم عن "دور الإيمان والالتزام بشعائر العبادة في تحقيق النصر".

وأوردت صحيفة "هآرتس"، أن الحاخام حاول التدليل على حجته قائلاً إن قوة مدرعات سورية استسلمت خلال حرب 1973، عندما رأى عناصرها الجنود الإسرائيليين يتوشحون بزي الصلاة اليهودي "تفيلين". وكشفت الصحيفة أن الحاخام ينتمي إلى حركة "حباد"، وهي إحدى الحركات الدينية التي تمثل تيار اليهودية الأرثوذكسية، والذي يجمع بين التشدد الفقهي والتطرف القومي، وأن الحركة تتولى تقديم دورات تثقيفية للجنود، بهدف الإسهام في تعبئتهم للمهام القتالية.

وعندما طلبت "هآرتس" تعقيباً من الناطق بلسان الجيش على ما قاله الحاخام، قال إنها جاءت في إطار "السعي لتعزيز معنويات الجنود".

وتقدم "حباد" دوراتها التي تهدف إلى تعميق الشعور الديني لدى الجنود، وتقريبهم من تراث التوراة بالتنسيق مع ديوان الحاخام العسكري الأكبر وقائد شعبة الثقافة في الجيش. واللافت أن الأغلبية الساحقة من الجنود الذين تستهدفهم من العلمانيين الذين يعرضهم قادتهم للاحتكاك المباشر مع حاخامات ونشطاء الهيكل.

ويتيح موقع "حباد" على شبكة الإنترنت التعرف على جملة أنشطتها "التوعوية والتثقيفية" داخل قواعد الجيش الإسرائيلي، حيث تقدم هذه الأنشطة باعتبار أنها أحد متطلبات تعزيز "معنويات الجنود"، ويعرض سلسلة من البرامج التثقيفية التي قدمتها الحركة في القواعد العسكرية خلال عام 2022، مثل برنامج "أيها الجندي لست وحدك".

ويشير الموقع إلى أن الحركة تستغل الأعياد والمناسبات اليهودية لتكثيف أنشطتها داخل قواعد الجيش، كما يحرص نشطاء الحركة، وجلهم من الحاخامات، على تقديم الوجبات الغذائية والحلويات للضباط والجنود أثناء الدورات، ويتضح أن الحاخامات الذين يقدمون الدورات يعملون بالأساس في مدارس دينية تابعة للحركة، ويتولى مدير مدرسة "هحينوخ فهنوعر"، والتي تعني بالعربية (التعليم والشباب)، الحاخام إليعازر فشلنسكي، مهمة إدارة التنسيق مع قيادات الجيش بشأن هذه الدورات.

ولفتت قيادات عسكرية إسرائيلية في الاحتياط إلى أن مواصلة السماح للمنظمات الدينية المتطرفة بلعب دور مركزي في الأنشطة التثقيفية والتعبوية داخل الجيش ستؤدي إلى التأثير على منطلقات المجتمع، وتعزز الإيمان بالغيبيات على حساب التفكير العقلاني.

وفي مقال نشرته "هآرتس"، لفت العقيد المتقاعد شلومو أرئيلي إلى أن "حباد" تسعى إلى التأثير على قطاع من المجتمع الإسرائيلي، عبر التأثير على وعي الجنود، ودفعهم للإيمان بعقيدة "الخلاص" التي تقوم على فكرة نزول "المخلص المنتظر" الذي يقود اليهود إلى ريادة العالم.

وحسب أرئيلي، فإن الرسالة التي يحرص حاخامات "حباد" على تكرارها في دوراتهم التثقيفية أمام الجنود تتمثل في أنه "لا توجد ثمة قيمة للمقدرات المادية في ميزان القوى بين اليهود وأعدائهم، لأن الرب سيقف إلى جانب اليهود، فيتحقق لهم النصر بشكل تلقائي".

وعلى الرغم من أن الدورات التثقيفية تهدف إلى تعزيز الروح المعنوية للجنود، فإن بعض مناشط هذه الدورات يهدف إلى التأثير على التوجهات الاجتماعية لهم. ونقل المعلق العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، عن ضابطة شاركت في إحدى الدورات التثقيفية، أن حاخاماً قال أثناء دورة أمام مئات من المجندات، إنه يتوجب على المرأة أن تمنح الرجل الشعور بأنه "صاحب القوامة" في البيت، وإن ما يصدر عن الرجل من تعليمات يجب أن يلتزم به جميع أفراد العائلة.

وتجدر الإشارة إلى أن حركة "حباد" ذات توجهات يمينية متطرفة، وكان مؤسسها الحاخام ميلوفافيتش من أبرز الرافضين لمسار تسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني، وداعماً لحسم مصير الأراضي المحتلة عبر الاستيطان، وفرخت الحركة الكثير من العناصر المتطرفة والإرهابية، لعل أشهرهم باروخ جودلشتاين، والذي نفذ مجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل بتاريخ 25 شباط 1994، حيث قتل 29 فلسطينياً وجرح عشرات آخرين وهم يؤدون صلاة الفجر.

وكشف تقرير نشرته "هآرتس" أن 80 في المائة من الأنشطة التثقيفية والتوعوية التي تقدم للجنود تشرف عليها جماعات دينية متطرفة، وأبرزها جماعات تنتمي إلى التيار الديني الحريدي، والذي بات شريكاً في السلطة بعد الانتخابات الأخيرة، ويتولى أحد أبرز قياداتها، إيتمار بن غفير، منصب وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال. وحذّرت نخب إسرائيلية من تداعيات السماح للجماعات الدينية المتطرفة بتقديم الدورات التوعوية للجنود، وقال الكاتب الإسرائيلي أوري مسغاف، إن السماح للحركات الدينية باحتكار معظم المناشط التثقيفية في الجيش يؤسس لولادة "مجتمع فاشي" في إسرائيل.