العدد 1541 /14-12-2022

د. محسن محمد صالح

تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة والثلاثون لانطلاقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس). ونعرض في هذا المقال المكثف لبدايات عملها العسكري.

كان سؤال الجهاد حاضراً منذ البداية لدى الشيخ أحمد ياسين الذي تولى قيادة الإخوان المسلمين في داخل قطاع غزة منذ أيلول/ سبتمبر 1967 خلفاً لإسماعيل الخالدي. إذ كان رحمه الله تواقاً للعمل العسكري في القطاع، لكن إخوانه في قيادة القطاع، وفي قيادة الإخوان الفلسطينيين في الخارج، كانوا يرون، في ضوء ضعف الإمكانات وقلة عدد الإخوان، أن أولوية المرحلة هي للعمل التربوي وإعادة بناء التنظيم، وتأسيس أرضية قوية وحاضنة شعبية للعمل العسكري. كما بقي سؤال الجهاد حاضراً لدى عدد ممن شارك في تأسيس فتح ثم تركها التزاماً بقرار الجماعة أمثال سليمان حمد؛ أو ممن ظلّ في الجماعة ممن له عضوية سابقة في العمل العسكري السري للإخوان في النصف الأول من خمسينيات القرن العشرين، أمثال خيري الأغا ومحمد الخضري وفوزي جبر. غير أن ذلك لم يمنع من مشاركة عسكرية نوعية للإخوان في معسكرات الشيوخ (1968-1970) في الأردن تحت غطاء حركة فتح.

في أواخر السبعينيات، صار الإخوان أكثر ثقة بأنفسهم مع صعود شعبيتهم واتساع تنظيمهم؛ ولذلك عاد التطلع من جديد للعمل العسكري، خصوصاً في ضوء وحدة تنظيمَي الإخوان الفلسطينيين والإخوان في الأردن، تحت اسم تنظيم بلاد الشام سنة 1978، وفي أجواء تصاعد الجهاد في أفغانستان، ونجاح الثورة في إيران، بالتزامن مع المعارك والمواجهات التي كانت تخوضها المقاومة الفلسطينية في لبنان، ومع أجواء الغضب والتحدي التي أثارتها معاهدة كامب ديفيد، ودخول مصر في مسار التسوية.

قطاع غزة:

كان الشيخ الشهيد أحمد ياسين رحمه الله هو المؤسس الفعلي للعمل العسكري على الأرض داخل فلسطين، بتأسيس الجهاز العسكري في القطاع. فقد بدأ الشيخ أحمد ياسين في أواخر 1982 أوائل 1983 بإعطاء أولوية للعمل العسكري، وشكل لجنة سرية بقيادته مسؤولة عن الإعداد والعمل العسكري مكونة من عبد الرحمن تمراز وإبراهيم المقادمة وأحمد الملح. وفي نيسان/ أبريل 1983 أوفد الشيخ أحمد ياسين تمراز للأردن، حيث طلب أموالاً لشراء السلاح فقابل يوسف العظم، باعتباره أمين سر الجماعة، فأعطاه دعماً أولياً. وتم شراء 80 قطعة سلاح، وتدريب عدد من الكوادر في داخل القطاع وفي الخارج. غير أن هذا العمل انكشف، وتم القبض على عدد من الأشخاص على فترات كان آخرهم الشيخ أحمد ياسين في منتصف تموز/ يوليو 1984. وحكم بالسجن على أحمد ياسين 13 عاماً، وعلى تمراز 12 عاماً، ومحمد شهاب 10 أعوام، وإبراهيم المقادمة ثمانية أعوام ونصف، وعلى صلاح شحادة عامين. وقد أُفرج عن الشيخ أحمد ياسين في عملية تبادل الأسرى التي تمت في 20/5/1985، بين الجبهة الشعبية- القيادة العامة والكيان الإسرائيلي.

كانت هناك خلايا أخرى لم تُعتقل وواصلت العمل، مثل مجموعة المغرافة بقيادة عدنان الغول التي قامت بعدد من العمليات في الفترة 1985-1986؛ منها استهداف شاحنة عسكرية، وإطلاق النار على ضابط مخابرات، وتصفية عدد من العملاء.

وبعد تشكيل جهاز فلسطين أواخر 1985، الذي تولى توجيه العمل لفلسطين في الداخل والخارج، قررت القيادة "دعوة كافة عناصرها في كافة أماكن تواجدهم في فلسطين المحتلة إلى المشاركة في المظاهرات والصدامات مع العدو المحتل بل والدعوة إليها". وفي ضوء ذلك، أجمعت القيادة في غزة في 1986 على بدء العمل العسكري. وقد أعيد بناء الجهاز العسكري من جديد تحت اسم "المجاهدون الفلسطينيون"، وعاد الشيخ أحمد ياسين لقيادة هذا الجهاز في منتصف حزيران/ يونيو 1987؛ وفي 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987 تقرر إطلاق العمل العسكري، حيث أوكل الشيخ أحمد لصلاح شحادة مسؤولية تشكيل الجهاز العسكري في شمال قطاع غزة، وأوكل لعبد العزيز الرنتيسي مسؤولية تشكيل الجهاز العسكري في جنوب قطاع غزة. ونظراً لاعتقال الرنتيسي إدارياً في 15 كانون الثاني/ يناير 1988، فقد تمّ ضمّ قيادة هذه المنطقة إلى صلاح شحادة؛ الذي أصبح بذلك القائد الميداني للجهاز العسكري في القطاع.

وقبل انطلاق الانتفاضة المباركة في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1987، كان صلاح شحادة قد شكَّل مجموعات عسكرية، منها مجموعة بيت حانون بقيادة صبحي اليازجي التي نفذت عدة عمليات عسكرية، ومجموعة مخيم جباليا بقيادة فتحي حماد التي نفذت أيضاً عدة عمليات، ومجموعة جباليا (المجموعة 101) بقيادة محمد الشراتحة التي عملت قبل الانتفاضة بشهور وهاجمت سيارات مستوطنين في أيلول/ سبتمبر 1987.

من جهة أخرى، قام عبد الرحمن تمراز بطلب من الشيخ أحمد ياسين في 1983 بتشكيل "جهاز أمن الدعوة"، وكان ليحيى السنوار دور أساس في قيادته. وبعد خروج الشيخ أحمد ياسين في صفقة التبادل بعد نحو عشرة أشهر (20 أيار/ مايو 1985)، استجاب لضغط إخوانه في متابعة هذا الجهاز. وفي سنة 1986 تم تشكيل منظمة الجهاد والدعوة "مجد" كقوة عسكرية ضاربة تتبع الجهاز الأمني، برئاسة يحيى السنوار، الذي ضم إلى جانبه روحي مشتهى؛ مهمتها مقاومة "الفساد والمفسدين" ثم تشعبت مهامها في مقاومة العملاء وغير ذلك.

في 21 آذار/ مارس 1988، قامت المجموعة 101 في الجهاز العسكري لحماس "المجاهدون الفلسطينيون" الذي يقوده الشيخ صلاح شحادة، بمحاولة اختطاف مهندس ومقاول صهيوني في منطقة الشيخ رضوان في قطاع غزة، بيد أن العملية واجهتها صعوبات حالت دون إتمامها، فقامت المجموعة بإطلاق النار عليه وأصابوه بجراح، وتلا ذلك عمليات تفجير عبوات ناسفة في بيت حانون في أيار/ مايو 1988، وفي يوم عيد الأضحى في 25 تموز/ يوليو 1988، ثم في ذكرى الهجرة النبوية في 14 آب/ أغسطس 1988. كما قتلت المجموعة مستوطناً إسرائيلياً في 18 آب/ أغسطس 1988، قرب منطقة بيت لاهيا شمال قطاع غزة. ونجحت المجموعة في خطف وقتل الرقيب الصهيوني آفي ساسبورتس (Avi Sasportas) في 3 شباط/ فبراير 1989، وفي خطف الجندي إيلان سعدون (Ilan Sa'adon) وقتله في 3 أيار/ مايو 1989. لكن سرعان ما ضُرب هذا الجناح العسكري وحركة حماس بشكل عام في أيار/ مايو 1989؛ حيث قامت قوات الاحتلال باعتقال ما يزيد عن ألف من كوادر الحركة وأبنائها، وتمّ التحقيق بأساليب وحشية مع المئات منهم، فأدى ذلك إلى كشف بنية الحركة التنظيمية لأول مرة، وألقي القبض على الشيخ أحمد ياسين في 18 أيار/ مايو 1989؛ حيث حكم عيه بالسجن المؤبد، مضافة إليها 15 عاماً.

ولذلك، ذهب القيادي في جهاز فلسطين في الخارج موسى أبو مرزوق إلى الداخل الفلسطيني، وقام بإعادة تنظيم الحركة، وجعل توجيه العمل العسكري مرتبطاً بالخارج، كما تم ترتيب تنسيق بين الضفة والقطاع من خلال التواصل السري بين حسن القيق في الضفة وسيد أبو مسامح الذي تولى متابعة العمل في القطاع.

وبحسب باحثين فإن المجموعة الأمنية التي تشكلت في رفح، والتي اتخذت طابعاً عسكرياً بقيادة رمضان اليازوري، هي الأولى التي أعلنت اسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، الذي ظهر لأول مرة في تشرين الأول/ أكتوبر 1990 بعد تنفيذ عملية إطلاق نار، وقتل أحد العملاء بالقرب من دوار الجوازات في رفح. وعلى ما يبدو، فإن اسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام" ظهر بتوافق بين الداخل والخارج، حيث أكد موسى أبو مرزوق (الذي تولى بنفسه متابعة العمل العسكري وتمويله في الداخل) أنه كان هناك نقاش في تلك الفترة للاختيار بين هذا الاسم وبين اسم "كتائب الشهيد عبد الله عزام" وأن الأمر حُسم بتبني اسم القسام. ولعل إعلان مجموعة اليازوري للاسم كان أُولى تجليات هذا التوافق. وبذلك حلّ هذا الاسم محل "المجاهدون الفلسطينيون".

الضفة الغربية:

تأخر العمل العسكري في الضفة الغربية مقارنة بالقطاع، غير أنه سرعان ما أخذ بالتجذر والانتشار بعد انطلاق الانتفاضة. وأخذ العمل العسكري في الضفة في البداية شكل المبادرات الفردية أو المنظمة المتأثرة بالتعبئة الداخلية، ونداءات حماس للثأر من العدو ومواجهة اعتداءاته.

ويبدو أن إحدى أولى المبادرات كان تشكيل مجموعة "بيت أُمر" في الخليل بقيادة بدر أبو عياش، والتي تعود أولى عملياتها إلى آذار/ مارس 1988؛ ومبادرة ابن حماس أحمد شكري الذي قَتَل في تل أبيب عاملاً صهيونياً كان قد خدم في جيش الاحتلال في 7 أيلول/ سبتمبر 1989؛ ومجموعة سمير الأسطة في نابلس التي قامت بمهاجمة دورية عسكرية في 5 نيسان/ أبريل 1990 وأوقعت فيها إصابات خطيرة؛ وعملية عامر أبو سرحان الذي قتل ثلاثة صهاينة وجرح رابعاً في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 1990، والذي اعتبر رائد حرب السكاكين.. وغيرها.

غير أنه على ما يظهر، فإن أولى المجموعات التي أخذت شكلاً تنظيمياً تتابعه قيادة الضفة هي مجموعة عادل عوض الله التي يعود تأسيسها إلى أواخر 1988 وبداية 1989.

وهناك مجموعات البراق التي تشكلت بإشراف قيادة حماس في الخليل، وقاد المجموعات ناجي سنقرط الذي تلقى تدريباته في الخارج، والذي قدم للضفة في ربيع 1990 وفقاً لتوجيهات تلقاها من قيادة الحركة في الخارج. وتم تجنيد عدد كبير من العناصر، وشراء كميات كبيرة من الأسلحة، وتم التدريب عليها في منتصف 1990. وبعد أن قامت إحدى المجموعات بإلقاء قنابل يدوية على دورية عسكرية صهيونية قرب الحرم الإبراهيمي، تم ضرب التشكيل واعتقال قادته، وعدد من المجموعات، غير أنه ظلت مجموعات أخرى لم تنكشف، وانضمت لاحقاً للخلايا التأسيسية لكتائب القسام سنة 1992.

كما سعى الشيخ محمد أبو طير بعد الإفراج عنه في آذار/ مارس 1991 بالتعاون مع عادل عوض الله إلى تأسيس عمل عسكري منظم، بالتنسيق مع القيادة في الأردن، غير أن الشيخ أبو طير وعادل عوض الله ورفاقهما اعتقلوا بعد انكشاف صفقة الأسلحة التي سعوا لشرائها.

ويعود اتخاذ كتائب القسام شكلاً مستقراً في الضفة، إلى التقاء صالح العاروري، أمير الكتلة الإسلامية بجامعة الخليل، في السجن مع عادل عوض الله، أمير الكتلة الإسلامية في جامعة بيت لحم، وإبراهيم حامد، أمير الكتلة الإسلامية بجامعة بيرزيت، حيث قرروا تفعيل العمل العسكري بعد خروجهم من السجن، وإعادة تشكيل المكتب الإداري للكتلة الإسلامية في مدينة رام الله وقُراها برئاسة العاروري سنة 1991. واستخدموا مواقعهم لترشيح أعضاء في العمل العسكري، على أن يقود العاروري الجهاز ويكون نائبه عوض الله، ويتولى حامد التواصل مع الخارج. وقام العاروري بتجنيد موسى دودين وعباس شبانة من الخليل، واستقبل عدداً من مطاردي القسام من غزة، وتولى إيواءهم وتسليحهم، ونسق العمل في شمال الضفة مع زاهر جبارين وعدنان مرعي، كما نسَّق العمل مع قطاع غزة.

وتابعت قيادة الحركة في الخارج عمل صالح العاروري ورفاقه، بإشراف موسى أبو مرزوق، وأرسلت محمد صلاح بمبالغ مالية لتمويل العمل العسكري في الضفة. وتم تثبيت اسم كتائب القسام في الضفة، ونفذت أولى العمليات باسمها في الضفة على يد محمد بشارات الذي قَتَل جندياً صهيونياً في 22 أيلول/ سبتمبر 1992. ثم تواصل العمل بالرغم من اعتقال العاروري في تشرين الأول/ أكتوبر 1992 وحبسه إدارياً.

في الخارج:

كان لقيادة الإخوان في الأردن دور أساس في دفع وتطوير العمل الإسلامي المقاوم لتحرير فلسطين، وتوفير الغطاء المناسب له، خصوصاً منذ توحيد التنظيمين الفلسطيني والأردني 1978.

في النصف الثاني من سنة 1979، بدأ التحضير لتأسيس عمل عسكري، لدى الإخوان المعنيين بالعمل لفلسطين في الكويت، وكان لخالد مشعل دور أساس في ذلك، وبرعاية خاصة من سليمان حمد، وأخذت القيادة ترسل كوادر مختارة (من الخارج) بسرية تامة، منذ سنة 1980 للتدريب العسكري. ونجحت في تدريب الكثير من الكوادر من عدد من البلدان، وفرغت عدداً من الأفراد للعمل الأمني والعسكري.

تم تشكيل نواة ترعى العمل العسكري خلال الفترة 1981-1982 بقيادة مشعل. وتوسعت في تدريب كوادر منتقاة من عدد من البلدان في الخارج خلال الفترة 1984-1985. وقام جهاز فلسطين، بعد تشكيله، بإنشاء لجنة مركزية للعمل العسكري تحت إشراف مشعل، وبرئاسة شخص غير معلن. وفي الفترة 1986-1987 تابعت اللجنة تجنيد الإخوان من أبناء الداخل، خصوصاً ممن يقيم ويدرس في الخارج ويمكنه العودة، وتشجيعهم على السفر للداخل. وتم تأسيس العمل الأمني في الخارج سنة 1983، وتم فرز طاقم متخصص له، وفي 1986 أخذ العمل الأمني بُعداً مركزياً على مستوى الجهاز، غير أنه دخل كاختصاص ضمن لجنة العمل العسكري. وفي الوقت نفسه، استفاد الإخوان من الخبرة العسكرية لكوادر كتيبة الجرمق (الكتيبة الطلابية) الذين قاتلوا في الجنوب اللبناني، والذين تحولوا للاتجاه الإسلامي.

وفي لبنان، وفي إطار الجماعة الإسلامية، شاركت عناصر شبابية فلسطينية في تنظيم "المجاهدون" 1982-1976 ثم في إطار قوات الفجر 1991-1982، وكانت لهم أدوار مهمة في العمل المقاوم وفي الدفاع عن المخيمات الفلسطينية. وهؤلاء شكلوا رصيداً لحماس، عندما انضم أعضاء الجماعة من فلسطينيي لبنان لحماس.

وبشكل عام، كان الناظم الأساس للعمل في تلك الفترة هو جهاز فلسطين، بقيادة خيري الأغا، الذي كان يتابع العمل في الداخل والخارج، والذي كان يتبع بدوره تنظيم بلاد الشام، بقيادة المكتب التنفيذي في الأردن.