العدد 1562 /10-5-2023

نقل مراسل الشؤون العربية في القناة 12 الإسرائيلية أوهاد حمو، عن مصادر أمنية رفيعة لم يحددها، أن قادة حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" ما زالوا يمتنعون عن الرد على اتصالات الوسطاء المصريين، على غير ما جرت عليه العادة في جولات القتال السابقة التي كانت تواكبها محادثات تهدئة منذ اللحظة الأولى.

ونقل بن حمو عن مصادره أن قادة الحركتين عمموا على كوادرهما تجنّب استخدام الهواتف ووسائل الاتصال، حتى أجهزة اللاسلكي، تحسّباً لأي محاولات اغتيال إسرائيلية مبيّتة، بينما تتواصل تهديدات قادة الاحتلال في هذا الاتجاه، وآخرها تلويح صريح من وزير الطاقة يسرائيل كاتس، وهو مقرّب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وعضو في "الكابينت"، باغتيال الرجلين الأول والثاني في الهيكلية السياسية-العسكرية لـ"حماس"، محمد الضيف ويحيى السنوار.

يأتي ذلك بينما تتواتر في الأوساط الفلسطينية أحاديث عن أن الجانب المصري قدّم ضمانات لقادة "الجهاد الإسلامي" الثلاثة الذين جرى اغتيالهم صباح اليوم، جهاد غنّام وخليل البهتيني وطارق عز الدين، قبيل يوم واحد من سفر كان مقرّراً لهم إلى بيروت عبر القاهرة، للقاء رئيس الحركة هناك زياد النخالة.

وفي الوقت الذي لم تصرّح فيه قيادات المقاومة عن كواليس الخديعة التي تعرَض لها الشهداء الثلاثة، أكّد شقيق الشهيد طارق عز الدين، جعفر عز الدين، أن أخاه اتّصل، الإثنين، بعائلته مودّعاً وأبلغهم أنه بصدد السفر إلى بلد عربي، لم يحدده، في اليوم اللاحق، ليكون هذا الوداع الأخير.

وبمعزل عن حقيقة ما جرى، تبقى خيبة أمل قيادات المقاومة من الوسيط المصري مبررة إجمالاً، بالنظر إلى إخفاقاته المتكررة في تأدية دوره كضامن للاتفاقات مع الاحتلال، من صفقة جلعاد شاليط (وفاء الأحرار)، التي دخل فيها ضامناً عدم إعادة اعتقال الأسرى مجدّداً بعد تحريرهم؛ إلى تعهّده بمتابعة إطلاق سراح الأسير القيادي في "الجهاد الإسلامي"، بسام السعدي، مع انتهاء جولة القتال السابقة العام الماضي، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة.

لماذا تأخر الرد الفلسطيني؟

إلى ذلك، لا تزال إسرائيل تبحث عن إجابات حول توقيت وحجم الردّ الفلسطيني "الآتي لا محالة"، وفق التقديرات الأمنية الإسرائيلية، إلا أن أكثر ما يحير المعلقين الإسرائيليين، ومن ورائهم المسؤولين الأمنيين، هو تأخره على نحو غير مألوف حتى اللحظة.

وبحسب قراءة القناة 12 الإسرائيلية، فقد يكون أحد التفسيرات لتريّث المقاومة هو استغلال الظرف الاستراتيجي الحرج الذي تعيشه الجبهة الجنوبية في إسرائيل حتى اللحظة، وإطالة أمد الترقّب والخوف، مع تعطّل مرافق الحياة بشكل شبه كامل هناك، بعدما أوعزت قيادة الجبهة الداخلية للمستوطنين بالبقاء قرب الملاجئ الآمنة، وأغلقت المدارس، وأماكن التجمع العامة، والمصانع، وأيضاً بعض الطرقات القريبة من الحدود مع القطاع.

في ظلّ هذه الوضع، قد يكون التفكير في أوساط قادة المقاومة، وفق التقديرات الإسرائيلية، هو الانتظار والمراقبة، وترك إسرائيل "على رؤوس أقدامها"، إلى حين اقتناص لحظة مناسبة للرد.

وثمّة ترجيحات إسرائيلية بأن الرد الأولي لدى المقاومة لن يكون عبر وابل من الصواريخ، وإنما باستهداف مباشر، غالباً عبر صواريخ مضادة للدبابات، بغية تحقيق معادلة "الاغتيال بالاغتيال"، بالنظر إلى أن نسبة الإصابة وإيقاع الخسائر البشرية بالنسبة للصواريخ تبقى محدودة قياساً بالصواريخ المحمولة الموجّهة.

حرب متعددة الجبهات

ومع الساعات الأولى للهجوم، بدت إسرائيل حريصة على إيصال رسالة واحدة، عبر أكثر من قناة، بأنها غير معنيّة بإدخال "حماس" إلى المواجهة، وهو ما نقلته وسائل إعلام عدّة "عن مصدر أمني كبير"، قال أيضاً إن إسرائيل أوصلت الرسالة ذاتها إلى الوسطاء.

لكن في خطّ موازٍ لذلك، أطلقت دولة الاحتلال إشارات بأنها تتأهب لحرب على عدة جبهات؛ أوّلاً عبر الإعلان عن "تمرين عسكري" في الشمال، قرب الحدود اللبنانية، في اليوم السابق للعملية، وثانياً، بإيعاز وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت لسكان مستوطنات غلاف غزة بـ"التجهز لحرب طويلة وممتدة"، وثالثاً بإعلان رئيس حكومة الاحتلال، مرّتين اليوم، بأن أركان دولته تحسّبت لحرب "متعددة الجبهات".

وقال نتنياهو، في مؤتمر صحافي جمعه بوزير الأمن وقائد الجيش أفيف كوخافي ورئيس جهاز "الشاباك" رونين بار، إنه منذ اللحظة الأولى التي اتخذ فيها قراراً باغتيال قيادات المقاومة قبل أسبوع، عقب إطلاق الصواريخ من غزة إثر استشهاد خضر عدنان، أوعز لقادة الأجهزة الأمنية كافة بالإعداد لسيناريو حرب متعددة الجبهات.

وفي المؤتمر الصحافي ذاته، خاطب غالانت جنود الجيش والاحتياط بأن يظلّوا "على أهبة الاستعداد" لاستدعائهم للقتال على جبهة غزة، وفي الضفة الغربية، "وفي ميادين أخرى"، على حد تعبيره. ووجّه حديثه كذلك للجبهة الداخلية، بالقول "نحن معرّضون لصواريخ قصيرة المدى وطويلة المدى، ربما بكميات كبيرة"، مؤكداً استعداد المؤسسة الأمنية "لمعركة طويلة مع عدة أطراف".

أحد السيناريوهات التي قد تفضي إلى ذلك، وفق قراءة الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، غيورا إيلاند، هو أن تردّ غزّة بقوّة نارية كبيرة، تنخرط فيها أيضاً "حماس" إلى جانب "الجهاد"، ما قد يجرّ ردّاً إسرائيليّاً قويّاً، من شأنه أن يدفع قيادة "حماس" إلى الرد أيضاً عبر إطلاق الصواريخ من لبنان، كما جرى في رمضان الماضي، وهو ما سيستدعي توسيع نطاق القصف الإسرائيلي إلى الشمال، ما يعني انضمام "حزب الله" إلى الجبهة في نهاية المطاف.