العدد 1550 /15-2-2023
أواب ابراهيم

مشهد سياسي وشعبي لافت طبع الرابع عشر من شباط، ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، تصدّره زيارة قام بها الرئيس سعد الحريري إلى لبنان بعد غياب سنة وشهر، فأحيا المناسبة بإطار عائلي ضيق، دون أي أبعاد سياسية واضحة، باستثناء الحشود التي تم جلبها للتواجد إلى جانبه حيث قرأ الفاتحة أمام ضريح والده وبعدها أمام منزله في بيت الوسط.

زائغ العينين، منهك وفاقد الحيوية، باهت التعبير. صور تختصر مسيرة سياسية لعبها سعد الحريري على مدى 14 عاماً. شكلت ذروتها عام 2005 بالانتخابات النيابية التي اكتسح فيها الحريري لبنان، بعد أشهر قليلة من اغتيال والده. فحاز أكبر كتلة نيابية وزعامة عابرة للطوائف، إضافة لدعم داخلي وخارجي لم ينله أي زعيم لبناني قبله. لكن الحريري استنفد هذه الزعامة والدعم والزخم الذي كان لاغتيال والده دور بارز فيه، إضافة لظروف إقليمية ودولية، وتراجع دوره وتأثيره عاماً بعد عام، ليرمي آخر كراته السياسية بقرار اعتزال العمل السياسي عام 2019 والمغادرة نحو المنفى الملتبس والصمت الإجباري.

الحريري كان قال في كانون الثاني من العام الماضي في تبرير قرار اعتكافه إنه "مقتنع أن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة". شعارات ربما يصدقها بعض جمهوره. لكن المسلّم به أن سبب إخراج الحريري من المعادلة اللبنانية لا علاقة له لا بنفوذ إيران عمره عقود، ولا طائفية مستعرة رافقت لبنان منذ نشأته، ولا انقسام وطني لم يغب يوماً، هو فقط قرار سعودي، ولا يوجد مؤشرات على تغيير هذا القرار. وفي كل الأحوال، فإن الحشد الذي لاقى سعد الحريري وحنين الجمهور السني العريض إلى زعامة تمثله في التركيبة اللبنانية، تؤدي إلى طرح السؤال عما إذا كان ممكناً أن تحصل متغيرات في الموقف السعودي الذي يقوده ولي العهد محمد بن سلمان. لكن من يلتقون المسؤولين في الرياض يسمعون هناك كلاماً واضحاً بأن "الحريرية السياسية حقبة انتهت ولا عودة إليها".

وفي وقت أكّد فيه جمهور تيار "المستقبل" أنّه موجود، كان الحريري الابن يمرّر الرسائل مباشرةً ومواربةً، إما من خلال الحشد الشعبي عند الضريح، وإما من خلال المواقف التي أطلقها من بيت الوسط. التي قد لاتكون مؤشراً جديًا على عودة الحريري الى العمل السياسي. وفضّل رئيس الحكومة السابق الإقلال من الكلام، واختيار تعابير مقتضبة حمّالة أوجه، إذ أكد أن الناس هي الضمانة، وأن منزله في بيت الوسط سيبقى مفتوحاً.

ولعلّ الرسالة الأساسية التي أراد زعيم "المستقبل" إيصالها من خلال الحشود التي تدفقت إلى ضريح رفيق الحريري وسط بيروت، ورافقته فيما بعد إلى بيت الوسط هي استمراره زعيماً لبنانياً وللسنّة بالتحديد. وأن لا أحد يمكنه ملء الفراغ الذي تركه سياسياً وشعبياً، وأن غيابه عن المشهد السياسي لايعني أنه يقبل بأن يستفيد الآخرون من هذا الغياب. وهي رسالة وجهها الحريري للداخل والخارج، خصوصاً من يسعى إلى وراثة تيار المستقبل.

سيعود الحريري من حيث أتى، تاركاً وراءه مناصرين ومؤيدين كانوا يحلمون ببقائه معهم زعيماً لهم خاصة في الظروف الاقتصادية غير المسبوقة اليت تمر بهم، أو على الأقل أن تطول الزيارة، وأن يقوم بجولة في مناطقهم التي كانت آخر زيارة قام بها الانتخابات النيابية التي سبقت قرار اعتزاله، وكانت آخر كلمات سمعوها منه حينها توفير خمسة عشر ألف وظيفة ووعود بانتعاش اقتصادي ورفع الغبن عن مناطقهم المحرومة. مناصرون لمحوا زعيمهم من بعيد للحظات، وسمعوا منه كلمات قليلة لم يفهموا منها شيئاً.

أوّاب إبراهيم