العدد 1612 /8-5-2024
أيمن حجازي

تسللت بريطانيا خلال الحرب السورية الأخيرة بشكل علني إلى الواقع الأمني اللبناني وغير اللبناني، من خلال السماح للجيش البريطاني بإقامة ثلاثة عشرة من أبراج المراقبة التي زرعت على طول الحدود اللبنانية- السورية الشرقية وذلك تحت ذرائع أمنية وسياسية شتى ويسجل في الآونة الأخيرة وفي إطار البحث الأوروبي والأمريكي عن سبل لتهدئة الجبهة اللبنانية- الصهيونية المحتدمة منذ الثامن من أكتوبر الفائت، سعي حثيث بريطاني لتعميم تجربة أبراج المراقبة تلك ونشرها على الحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلة. ويرجح أن يكون هذا المسعى البريطاني منسق تنسيق وثيق مع القادة الأمنيين والعسكريين الصهاينة . هؤلاء القادة الذين يبذلون قصارى جهدهم منذ الانسحاب الصهيوني من الأرض اللبنانية في أيار من عام ٢٠٠٠ على توفير أفضل أساليب المراقبة التقنية والألكترونية الميدانية للمنطقة الحدودية كبديل لاستخدام العنصر البشري في هذه المراقبة.

وبات من المعلوم أن هذه الأبراج إن قيدا لها أن تنشأ على أرضنا، ستؤمن جزءا مهما من الحاجة الأمنية الصهيونية للمتابعة الميدانية على الأرض. وهذا ما يتلاءم مع الخبث السياسي البريطاني المتواطئ دوما مع السياسات الصهيونية منذ ما قبل وعد بلفور في ٢ نوفمبر ١٩١٧ الذي أعطى الحق للصهاينة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة. ويبدو المسعى البريطاني متحركا على هامش الحراكين الأميريكي والفرنسي اللذين يتجهان للعمل طوال الأشهر القليلة الماضية على فصل الجبهة الجنوبية اللبنانية عن مجريات المعركة الكبرى في غزة والحؤول دون قيام أي شكل من أشكال الدعم والمساندة من الشعب اللبناني إلى الشعب الفلسطيني هناك ويبدو المسعى البريطاني ذا طابع تنفيذي متمم للمساعي الفرنسية التي عبرت عن نفسها من خلال الورقة الفرنسية المقدمة إلى الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري والتي تتناول الوضع المتفجر في المنطقة الحدودية اللبنانية وفي المنطقة الحدودية الفلسطينية المحتلة. وقد اعتاد الموفدون الفرنسيون طوال الأشهر القليلة الماضية على نقل التهديدات الصهيونية بتوسيع نطاق الحرب على لبنان وجعلها مشابهة لحرب صيف ٢٠٠٦ أو أكثر. ويضاف في مهمة الموفدين الفرنسيين إلى نقل التهديدات بالنصيحة الفرنسية الجازمة بضرورة تجنب الذهاب نحو تدمير البلد والدخول في مواجهة خطيرة مع الكيان الغاصب. في المقابل كانت الردود اللبنانية طوال الأشهر القليلة الماضية وبإصرار من المقاومة اللبنانية لا تتهيب التهديدات الصهيونية التي تحملا إلى الموفدين أو تلقى عبر وسائل الإعلام بأن المخاطر نفسها التي تحيط بالوضع اللبناني تحدق أيضا بالوضع الصهيوني المرشح لتدمير بناه التحتية واستهداف تجمعاته السكنية في مقابل البنى التحتية اللبنانية والتجمعات السكنية اللبنانية المهددة وقد التزم الموقف اللبناني جانب القرار الدولي ١٧٠١ الذي يفرض على الاحتلال الإسرائيلي موجبات عدة يجب تأديتها قبل الحديث عن الموجبات اللبنانية التي يتطلبها ذلك القرار إن وجدت.

وقد تظهر هذا الأداء السياسي والديبلوماسي اللبناني من خلال تنسيق عال وجدي بين الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله ابوحبيب الذي أزعج أداؤه الملتزم القوى السياسية اليمينية

المتناغمة مع المطالب الصهيونية في جنوب لبنان وقد وصل الأمر بالأداء الديبلوماسي لأبي حبيب أن استفز أيضا النائب جبران باسيل في بعض التفاصيل التي قيل إنها راحت بعيدا في تناغم وزير خارجيتنا مع مواقف الرئيس ميقاتي التي سوغت وبررت ربط وضع الجبهة اللبنانية المحتدمة بالوضع في غزة الجريحة. وبيد أن نقمة البعض الزائدة في الداخل اللبناني على الرئيس نجيب ميقاتي تنبع في مواقفه المنسقة مع المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني الذي يمعن في ارتكاب المجازر في فلسطين المحتلة

قد يبدو المطلب البريطاني في موضوع الأبراج متواضعا، ولكنه في الواقع ليس كذلك فهو إلى جانب كونه مطلبا ميدانيا يفتح الباب في السياسة لدور ما قد يزعج الفرنسيين أو لا يزعجهم ولكنه يرجح أن يكون منسق مع الأمريكيين الذين يحتفظون بمستوى عال من التنسيق مع البريطانيين في كثير من القضايا الشائكة في العالم.

ثلاثة عشرة من أبراج المراقبة البريطانية المنتشرة على الأراضي اللبنانية، تطمح لندن لأن تزيدها وتزرعها على خط من خطوط من خطوط الصراع التاريخي التي ساهمت بريطاني في تفجيره وإشعال فتائله الإجرامية الكبرى التي أنتجت في آخر نسخة أكثر من مئة ألف شهيد وجريح ومفقود على أرض غزة خلال سبعة أشهر.

أيمن حجازي