العدد 1607 /27-3-2024
أيمن حجازي

لا يأبه راسمو المشهد السياسي المحلي بمتانة ومنطقية المبررات التي تقف خلف بعض التطورات السياسية، من مثل القول إن تحرك اللجنة الخماسية ينتظر انتهاء شهر رمضان كي يستأنفوا نشاطهم المتعلق بالسعي لإنهاء الشغور الرئاسي في قصر بعبدا. وكأن المعنيين في هذه اللجنة عاكفون في المساجد منهمكون بالتعبد لله فلا يمكنهم الجمع بين مساعيهم السياسية والديبلوماسية وبين واجباتهم الرمضانية المفترضة. خصوصا أن ثلاثة من سفراء اللجنة الخماسية ينتمون إلى دول عربية إسلامية وهي مصر والسعودية وقطر، وحيث لا ينفك هؤلاء في ارتياد المساجد وأداء المستحبات. وذلك يوضع في خانة استغباء الجماهير "الفورة" أو الغفيرة لا فرق. وهنا نلاحظ أن راسمي المشهد السياسي المشار إليهم لا يريدون البوح بأن الولايات المتحدة الأميريكية وحلفاؤها الغربيون قد ربطوا كل التطورات السياسية في المنطقة بالحرب الصهيونية على غزة، حيث يجب أن تخرج دولة إسرائيل بأقل قدرا ممكنا من الخسائر التي لحقت بالكيان الصهيوني من جراء طوفان الأقصى.

لا جديد على صعيد محاولات إزالة الشغور الرئاسي اللبناني على المستوى الخارجي، وبقي المستجد الأوحد هو عملية تجميع القوى السياسية المسيحية في بكركي بغية توجيه عدة رسائل سياسية وفي عدة اتجاهات. وقد كان الأبرز من هذه الرسائل هي تلك الرسالة الموجهة إلى حزب الله وإلى الخارج. الأولى مفادها أن موقفا مسيحيا موحدا قد بلوره لقاء بكركي المسيحي ضد سليمان فرنجية ومحاولات إيصاله إلى قصر بعبدا. والرسالة الثانية موجهة إلى باريس أولا وواشنطن ثانيا تطلب عدم التساهل الغربي مع حزب الله في الموضوع الرئاسي اللبناني. وهذا الموقف لم يكن ليتبلور لولا ولادة تفاهم غير معلن بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية هادف إلى قطع طريق الرئاسة على سليمان فرنجية. وذلك على الرغم من أن هذين الفريقين معنيان جدا في قطع كل واحد منهما الطريق إلى قصر بعبدا على الآخر. ما يجعل الساحة السياسية المسيحية تعج بقطاع الطرق ليس إلا... وهذا لا يعنى أن الساسة اللبنانيين لن يجدوا قضايا يشغلون بها أنفسهم أو يملئون فراغ أوقاتهم. ويلاحظ في هذا الصدد أن الانتخابات البلدية والاختيارية لا تشكل مادة دسمة للتداول بها فهي ولدت ميتة ومجهضة بفعل الفراغ الرئاسي واشتعال الجبهة الجنوبية.

هذه الجبهة باتت تفيض بالدماء اللبنانية التي يبذلها مجاهدو المقاومة دفاعا عن أرضهم ونصرة لأهل غزة المذبوحة والمطوقة والمحروم أهلها من الطعام والشراب والرعاية الصحية في مجزرة تاريخية يرتكبها الكيان الصهيوني الغاصب. وقد حاز الشعب اللبناني في هذه المرحلة على شرف التزام هذا الموقف المقاوم للاحتلال والرافض للخضوع للإرادة الصهيونية المستكبرة وذلك استكمالا لما أنجزه هذا الشعب من انتصارات متعددة في مواجهة السياسة الاحتلال ومشاريعه المتنوعة عبر عشرات السنين السالفة. وقد قاد هذا الدور المشرف للشعب اللبناني في مواجهة الصهاينة إلى أن يكون للساحة اللبنانية دور أكبر من الجغرافيا اللبنانية الضيقة (نسبيا) في المنطقة العربية، وبتنا نرى المساعي الغربية الأوروبية والأميريكية تلهث وراء إقفال الجبهة اللبنانية المفتوحة على كل أشكال الاستنزاف الأمني والعسكري في شمال فلسطين المحتلة وبالتالي فإنها جبهة تقوم بواجبها الطامح إلى المزيد من أفعال النصرة لغزة الأسطورة الأبية الصامدة والشامخة. وهكذا يقفل المشهد السياسي اللبناني على جمود في حركة اللجنة الخماسية، وعلي خفوت سياسي داخلي وعلى حماة عالية في جبهة المواجهة مع العدوان الصهيوني... حماة مخضبة بالدماء المباركة للشهداء المقاومين الأبرار.

أيمن حجازي