العدد 1609 /17-4-2024
أيمن حجازي

وجدت اللجنة الخماسية الدولية الإقليمية المتخصصة بمعالجة الشغور الرئاسي اللبناني متسعا من الوقت كي تجري مشاورات ومباحثات مع النواب التغيريين كل بمفرده وليست على قاعدة بنيتهم ككتلة نيابية واحدة. ولم تحجم هذه اللجنة من خلال سفرائها المعتمدين في بيروت عن اللقاء مع كتل نيابية صغيرة تضم نائبين أو ثلاثة، فالوقت مفتوح والفرصة متاحة لدراسة الوضع السياسي اللبناني بعمق وروية. ولا بأس ففي التأني السلامة، والعجلة من الشيطان. هكذا يطيب للجنة الخماسية أن توهم نفسها وأن توهم اللبنانيين والرأي العام الدولي والإقليمي بأنها تعمل بجد وإخلاص من أجل فكفه العقد اللبنانية المستحيلة. في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن الانشغال الأساسي الدولي والإقليمي يتركز على المذبحة المستمرة التي يرتكبها الكيان الصهيوني الغاصب ضد الشعب الفلسطيني في غزة هاشم.

وقد أضيف إلى هذه المواجهة في غزة، المواجهة الرديفة التي حصلت بين الدولة اليهودية وإيران والتي وصلت إلى ذروتها يوم الأحد الماضي من خلال إطلاق المئات من المسيرات والصواريخ البعيدة المدى الموجهة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا ما جعل الوضع اللبناني مواكبا للاضطراب والاهتزاز الحاصل في المنطقة والذي لا يزال مستمرا تحت وطأة الحديث على استمرار تبادل توجيه الضربات بين الجانبين الصهيوني والإيراني. صحيح أن تسريبات سياسية وإعلامية قد تحدثت عن احتمالات استئناف اللجنة الخماسية لأعمالها واتصالاتها الهادفة إلى إنهاء الشغور الرئاسي اللبناني، ولكن الواقع العملي لا يوحي بأن فرصا جدية قد باتت متاحة للتقدم بخطوة إيجابية على هذا الصعيد. ويبدو أن المجال كان مفتوحا أمام القوى السياسية المسيحية الكبرى كي تفتح ملف النازحين السوريين بقوة إثر اغتيال منسق حزب "القوات اللبنانية" في مدينة جبيل باسكال سليمان، الذي وضعت عملية اغتياله في الخانة السورية خصوصا بعد الانتقال بجثته إلى داخل الأراضي السورية وفق المعلومات التي توافرت في قضية سليمان. وقد فتح هذا الموضوع على مصراعيه عندما تولى طرحه والعناية به البطريرك الماروني بشارة الراعي. ولم تخل الأجواء التي أشيعت في الأيام الأخيرة من التحريض الطائفي إلى أرخى بظلاله على القضية ودفع بالبعض نحو مزيد من الإعراب عن الرغبة في إيجاد الحماية الأمنية لكل منطقة من المناطق على ذوقها وخاطر قواها السياسية المنفذة. مع ما يحمل ذلك من تعزيز لطروحات الفدرلة الكامنة والتقسيم العلماني الميداني للشؤون الأمنية المحلية التي لا بد من أن تفتح لاحقا على أبعاد أمنية وسياسية غير محلية. وقد لوحظ في هذا السياق أن بعض الوسائل الإعلامية المتحمسة لدعوات الفدرلة بدأت بالحديث عن أعداد من الفارين من الخدمة في بنية المؤسسات الأمنية الرسمية اللبنانية. وهذا ما يشكل إساءة واضحة لدور الجيش اللبناني الواحد ولأدور الأجهزة الأمنية الأخرى التي تبذل جهودا مضنية كي تبقى محيطة بكل الأوضاع الأمنية الطارئة على الدوام.

ولم تخل العلاقات المسيحية- المسيحية من المناكفات التقليدية، خصوصا بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية حيث استغرب الطرف الأول استفاقة الطرف الثاني المتأخرة على خطر الوجود السوري النازح في لبنان ومذكرا بمواقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الداعمة لقوى المعارضة السورية والمتعاطفة مع النازحين السوريين والتي كانت رائجة إبان الحرب السورية.

وخلاصة أن تجميد الوضع الرئاسي اللبناني بات حقيقة قائمة ريثما تنجلي الصورة الواضحة للمواجهات الكبرى في المنطقة. هذا في الوقت التي تتسلل فيه بعض الوقائع المحلية الغنية بطروحات الفدرلة... وما يلي ذلك من طروحات مفعمة بالوقائع المفضية إلى التجزئة والتقسيم.

أيمن حجازي