العدد 1522 /3-8-2022
بسام غنوم


يحتل ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة قائمة الاهتمامات اللبنانية الرسمية والشعبية خصوصا بعد وصول الاوضاع في لبنان الى مرحلة الاهتراء الكامل على كل المستويات حيث لا يوجد في لبنان الا مؤسسة الجيش اللبناني والاجهزة الامنية الاخرى – امن عام ، امن دولة ، فرع المعلومات،...الخ التي مازالت تعمل بطلوع الروح كما يقولون بفضل الدعم الذي يقدم لها من جهات اقليمية ودولية حتى لا تنهار الدولة بالكامل ويصبح لبنان غابة مستباحة لكل ما هب ودب ، اما باقي المؤسسات في الدولة فاصبحت في خبر كان ومن يعمل منها فهو يعمل بالحد الادنى واكبر مثال على ذلك هو شركة الكهرباء التي لا توفر حتى ساعة كهرباء في اليوم لاغلب المناطق اللبنانية.

هذا الواقع السيئ الذي يعيشه اللبنانيون في هذه الايام الصعبة ، والذي تحاول الطبقة السياسية اللبنانية غض النظر عنه عبر الحديث عن عناوين شتى مثل تشكيل الحكومة الجديدة العالقة بين الرئيسين عون وميقاتي حتى اشعار آخر ، او ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية المرتبط بالمواقف الدولية والداخلية، وغير ذلك من الامور التي لا تقدم او تأخر في معالجة اي من الازمات التي يعاني منها الشعب اللبناني ، والاخطر من ذلك كله هو ادعاء الطبقة السياسية الحاكمة ان ما يعانيه الشعب اللبناني ليس بسبب فسادها و ممارساتها وسياساتها على مدى السنوات الماضية التي اوصلت لبنان الى هذا الدرك الخطير ، بل فقط بسبب المؤمرات الخارجية على لبنان وقد كشف الرئيس نبيه بري انه تبلّغ من ممثل البنك الدولي ان سبب عدم استجرار الطاقة الكهربائية الى لبنان من الأردن هو بسبب تخلّف الدولة اللبنانية حتى الآن عن تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء، علماً ان قانوناً في هذا الشأن صدر منذ 8 سنوات، موضحاً ان البنك الدولي ربطَ تمويل المشروع بتشكيل الهيئة الناظمة.

في هذه الاثناء تقوم الطبقة السياسية باللعب على ورقة ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة وتزعم ان كل مشاكل لبنان المالية والاقتصادية ستصبح في خبر كان اذا استطاع لبنان انجاز اتفاق ترسيم الحدود مع العدو الاسرائيلي عبر الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين.

وهنا يطرح السؤال التالي : هل الازمات التي يعيشها لبنان هي بسبب عدم توفر الاموال او بسبب الفساد المالي والسياسي المستشري في الدولة والذي اوصل لبنان الى الهاوية ؟

كذبة كبيرة جدا يعيشها اللبنانيون في هذه الايام العصيبة تروج لها الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان وهي ان كل مشاكل لبنان المالية والاقتصادية سوف تجد طرقها الى الحل بمجرد الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني ، وكأن الامور سوف تحل بكبسة زر لا أكثر ولا اقل فهل سيتحقق هذا الامر على ارض الواقع ؟

في قراءة للواقع السياسي اللبناني منذ البدء في تطبيق اتفاق الطائف منذ العام 1991 وحتى الآن، يتبين ان الدين العام في لبنان وصل الى اكثر من مئة مليار دولار اميركي بينما لم يتجاوز ال 150 مليون دولار في العام 1993، وان قطاع الكهرباء استهلك 45 مليار دولار من قيمة الدين العام ومع ذلك وصلنا اليوم الى حالة صفر كهرباء في غالبية المناطق اللبنانية ، وقبل الانتخابات النيابية في العام 2018 اقر المجلس النيابي بأكثريته الساحقة سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام والتي كانت السبب المباشر في انهيار مالية الدولة وعجزها عن سداد ديونها الخارجية مما ادى الى انهيار الوضع الاقتصادي وتحول لبنان من دولة مزدهرة الى دولة فاشلة ، وهذا الواقع ترافق مع ما سمي بالديموقراطية التوافقية التي ادت الى جعل كل الحكومات اللبنانية رهينة للطبقة السياسية اولا ، وللاعتبارات الطائفية والمذهبية ثانيا، ولم يعد بالامكان تشكيل حكومة الا اذا كان فيها الثلث المعطل لهذا الطرف اوذاك ، او حصة وزارية لرئيس الجمهورية ، وكذلك الامر لما يسمى بالتوازن الطائفي حتى اصبح مجلس الوزراء عاجزا عن توظيف موظف في الدرجة الخامسة اذا لم يتم الاخذ بالتوازنات الطائفية بالاعتبار مما ادى الى تعطل الدولة، هو الذي اوصل الامور الى ما هي عليه الآن وليس بسبب نقص في التمويل ، وبالتالي فان الحل في لبنان ليس مرتبطاً باتفاق ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني ، بل بمواجهة الفساد السياسي والمالي والمنطق الطائفي الذي يحكم الطبقة السياسية في لبنان .

هذا من ناحية ومن ناحية اخرى هناك فريق في لبنان جعل منه اسيرا لتحالفاته الاقليمية بحيث اصبح لبنان احد الاوراق الاساسية في ملف الخلاف الاميركي والايراني حول الملف النووي الايراني وحول العقوبات الاميركية على ايران كما هو الحال في اليمن وسوريا والعراق ، وبسبب هذه المواقف اصبح لبنان معزولا عن محيطه العربي وعاجزا عن لعب دوره الطبيعي في الاطار العربي وهو ما انعكس سلبا على علاقات لبنان بالدول العربية ولا سيما دول الخليج العربي ، وادى الى تضرر لبنان سياسيا واقتصاديا.

بالخلاصة الحل في لبنان ليس في ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني ، بل في توافق وطني على حماية لبنان، وعلى قيام حكومة فاعلة ونزيهة بعيدة كل البعد عن التسويات والحسابات الطائفية والمذهبية ، والا فان لبنان لن يخرج ابدا من ازماته.

بسام غنوم