العدد 1332 / 10-10-2018

كابول ــ صبغة الله صابر

لطالما كان دور علماء الدين بارزاً في الوسط الآسيوي عموماً وأفغانستان خصوصاً، فهم قادة الأحزاب الجهادية التي وقفت في وجه الغزو السوفيياتي (1979 ـ 1989)، وهم الذين شكّلوا حركة "طالبان" بحجة "الوقوف في وجه الفساد". وحتى الآن هم المسيطرون على قيادة حركة طالبان. كذلك كان وما زال للمدرسة الدينية الباكستانية ولعلماء الدين الباكستانيين دور بارز في الداخل الأفغاني، فهي التي أعطت الشرعية ووفرت العنصر البشري للحرب في أفغانستان إبان الغزو السوفياتي، ومنها تخرجت معظم قيادات "طالبان"، وتوفّر لهم الآن العنصر البشري. ورغم كل الضغوط الدولية والمحلية، إلا أن المدرسة الدينية في باكستان وقفت إلى الآن مع "طالبان"، مدافعة عن حربها علناً، معتبرة ذلك "جهاداً في سبيل الله ومقاومة ضد المحتل".

وعليه، تصرّ الحكومة الأفغانية، والرئيس أشرف غني منذ توليه مقاليد السلطة في البلاد، على تعاون المدرسة الدينية وعلماء الدين لحلحلة القضية الأفغانية وتشجيع حركة طالبان على الحوار، أو وقوف المدرسة الدينية وعلماء الدين في وجه الحركة وضد الحرب في أفغانستان في حال رفض الحركة للحوار. ولأجل الوصول إلى هذا الهدف، بذلت الحكومة الأفغانية جهوداً حثيثة، كما عمل سفيرها في باكستان محمد عمر زاخيلوال على توطيد العلاقة مع المدارس الدينية وعلماء الدين المشهورين، ثم جمعت الحكومة علماء الدين في كل من السعودية وإندونيسيا وأفغانستان لإصدار فتوى ضد الحرب في أفغانستان. لكن يبدو أن كل تلك المحاولات لم تكن مجدية لأن علماء الدين الباكستانيين إما لم يشاركوا في كل تلك الجهود أو شاركوا فيها بمستوى ضعيف، وهم في الوقت نفسه أعلنوا تأييدهم لـ"طالبان" بدلاً من تأييدهم لما تقوم به الحكومة.

من هنا تسعى الحكومة الأفغانية إلى ممارسة الضغط على علماء الدين في باكستان من خلال الحكومة الباكستانية، من أجل مساعدتها في الخروج من المأزق. لذلك كان من ضمن مطالبها من الجانب الباكستاني تحريك علماء الدين ضد "طالبان" والحرب في أفغانستان عموماً. وكان هذا أحد محاور النقاش خلال زيارة المسؤولين الباكستانيين لكابول، وآخرها كانت زيارة وزير الخارجية شاه محمود قرشي في 15 أيلول الماضي.

في هذا الصدد، دعا السفير الأفغاني لدى باكستان، محمد عمر زاخيلوال، العلماء "في الأساس إلى حثّ طالبان والمسلحين على العودة إلى الحوار معنا، لأننا نعرف جيداً مدى نفوذ هؤلاء والمدرسة الدينية الباكستانية على طالبان. ثانياً، ندعوهم إلى الوقوف في وجه الحرب في أفغانستان والتعاون معنا في حال رفض طالبان للحوار، لأن الوضع في أفغانستان حالياً لن يبقى داخل الحدود الأفغانية، بل سيؤثر على الوضع في باكستان والمنطقة بأسرها".

وأضاف زاخيلوال، في كلمة له في اجتماع لعلماء الدين من باكستان وأفغانستان عُقد في اسلام أباد في 30 سبتمبر الماضي، أنه "نأمل أن يؤدي علماء الدين في باكستان وأفغانستان دورهم الأساسي بهذا الصدد، لأنهم بذلك يؤدون مسؤوليتهم إزاء المنطقة".

من جهته، اعتبر السفير الباكستاني لدى أفغانستان، نصر الله حافظ، خلال الاجتماع ذاته، أن "سياسة الحكومة الباكستانية بزعامة عمران خان واضحة، وهي التعاون مع المصالحة الأفغانية واتخاذ جميع السبل واستخدام جميع الوسائل لوقف حمام الدم في أفغانستان، ومنها التعاون على مستوى علماء الدين والمفكرين بين الدولتين. وهو أصلاً ضروري لمستقبل العلاقة بين الجارتين اللتين تربطهما علاقات دينية واجتماعية وجغرافية وسياسية".

السؤال الأهم هنا "هل أن الحكومة الباكستانية ستؤدي دوراً هذه المرة؟"، إذا استطاعت الحكومة الأفغانية إقناع الحكومة الباكستانية بهذا الصدد، فإن علماء الدين سيشاركون حتماً في مؤتمر إسلام أباد المقرر انعقاده خلال الأسابيع المقبلة، وسيدعون للحوار بين طالبان والحكومة على أقل تقدير، علماً أن عدد المدارس الدينية يبلغ نحو 43 ألف مدرسة متأثرة بالنفوذ الباكستاني.

في هذا الإطار، كشف المتحدث باسم المجلس الأعلى للمصالحة الأفغانية، إحسان طاهري، أنه "نتطلع إلى أن تفي حكومة باكستان الجديدة، برئاسة عمران خان، بالوعود التي قطعتها معنا حيال القضية الأفغانية، وتحديداً إزاء المصالحة"، واصفاً دورها ودور علماء الدين الباكستانيين بـ"الأهم لمستقبل أفغانستان وأمن المنطقة".