العدد 1420 / 8-7-2020

كانت باريس الأسبوع المنصرم على موعد مع مفاجآت بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب في 3 تموز الجاري، بضغوط من الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي اختار جان كاستكس، خلفاً له، في خطوة يرى مراقبون أنها جنوح نحو "السلطوية السياسية".

ويبدو أن الخلافات بين ماكرون وفيليب، بشأن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في فرنسا، أدت إلى ضغط الأول على الثاني، لتقديم الاستقالة.

وعقب ساعات قليلة من قبول ماكرون لاستقالة فيليب، أحدث تعيين كاستكس رئيسا للوزراء مفاجأة في الأوساط السياسية الفرنسية.

وكان كاستكس قد شغل منصب نائب الأمين العام لرئاسة الجمهورية خلال فترة رئاسة نيكولا ساركوزي (2011 - 2012.

وكان الحديث يجري في الوسط الفرنسي عن إمكانية تعيين وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، خلفاً لفيليب، إلا أن اختيار ماكرون لكاستكس، جاء بتأثير من ساركوزي، الذي دأب الرئيس الحالي على استشارته أثناء اختياره كبار المسؤولين، بحسب مراقبين.

ومنذ مباشرته مهامه رئيسا للجمهورية، سعى ماكرون للتغلب على الأزمات الناجمة عن انتشار فيروس كورونا والتصدي لاحتجاجات "السترات الصفراء" والإضرابات ضد إصلاح المعاشات التقاعدية.

ماكرون يفقد تأثيره في السياسة الفرنسية

وتشير استطلاعات ونتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، إلى فقدان ماكرون لتأثيره في الشارع الفرنسي وأروقة السياسة الفرنسية, خاصة أنه الذي فقد الأغلبية في الجمعية الوطنية وحزبه السياسي "الجمهورية إلى الأمام" (وسطي تقدمي) الذي أسسه في 6 نيسان 2016، شهد هزيمة أيضًا في الانتخابات المحلية، إلا أنه لا يزال يأمل بتحسين وضعه في انتخابات 2022.

وحقق "حزب الخضر" وحلفاؤه اليساريون، تقدما ملحوظا في الجولة الثانية من الانتخابات المحلية الفرنسية التي جرت في 28 حزيران المنصرم، واستطاعوا الفوز في مدن مهمة مثل ليون وستراسبورغ وبيزانسون.

فيما فشل حزب ماكرون، في تحقيق النصر بأي من المدن المهمة، مما أعطى مؤشرات سلبية حول شعبية الرئيس الفرنسي.ويعتقد مراقبون أن التباعد الحاصل بين ماكرون وفيليب يمكن تقييمه في إطار استعدادات ماكرون لخوض غمار انتخابات 2022، حيث يعتقد أن بإمكانه إخراج فيليب، الذي تزيد شعبيته يومًا بعد آخر، خارج اللعبة السياسية.

فرنسا تتجه نحو السلطوية السياسية

كان التعبير الأبرز للمراقبين، كتفسير عملي لاختيار ماكرون شخصية مثل كاستكس، المعروف بانسجامه معه وتنفيذه السريع للأوامر، بدلا من فيليب الذي لديه خلافات مع ماكرون حول العديد من القضايا.

ويقول المراقبون إن ماكرون، الذي وصل الرئاسة عام 2017 بعد وعود قطعها من أجل تعزيز الديمقراطية في بلاده، يواصل تنفيذ سياساته رغم الانتقادات الحادة التي يتعرض لها من الشارع والأوساط السياسية على حد سواء.

ويرى المراقبون أن ماكرون، بدأ يتبنى نهجًا لا يتسق مع النظم الديمقراطية، بل بدأ يتوجه بشكل أكثر نحو "سلطوية سياسية"، بخلاف نهج فيليب، الذي اختار الحوار الديمقراطي لحل مشاكل البلاد.

الطريق نحو الاستقالة

ولعبت الخلافات العميقة التي سادت طبيعة العلاقات بين فيليب وماكرون، المتعلقة بحل الأزمات في البلاد، دورًا محوريًا في الضغوط التي مارسها الرئيس الفرنسي لحمل رئيس وزارئه على الاستقالة.

وبدأت الخلافات بين ماكرون وفيليب بالظهور على السطح مع تنامي الاحتجاجات التي قادتها حركة "السترات الصفراء" والاضرابات والمظاهرات ضد إصلاح نظام التقاعد، والتي أدت إلى انتشار أعمال فوضى في البلاد.

إضافة إلى ما سبق، تسبب انتشار فيروس كورونا بالبلاد في ركود اقتصادي كبير لم تعرفه فرنسا منذ عام 1975، ما دفع كلا من ماكرون وفيليب للإدلاء بتصريحات متناقضة، بدلاً من التنسيق بينهما.

وشكلت مواضيع على رأسها زيادة أسعار الوقود وإصلاح المعاشات التقاعدية، والإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة انتشار فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية الناجمة عنه، أبرز العناوين الخلافية التي دفعت إلى زيادة التوتر بين ماكرون وفيليب.

وفي الوقت الذي تبنى فيه فيليب دخولًا أكثر حذراً في عملية تطبيع الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتمديد إجراءات الحجر الصحي لمنع انتشار كورونا، فضل ماكرون رفع الإجراءات بشكل أسرع اعتبارًا من 11 أيار الماضي، استنادًا لمخاوف اقتصادية.

فكيف سيكون شكل التحركات المستقبلية للحكومة الفرنسية، لحل القضايا التي تؤرق الفرنسيين، بعد تولي كاستكس لمهامه؟