العدد 1373 / 7-8-2019

حسان الأسود

تناقلت بعض وسائل الإعلام مقطعاً تسجيليّاً مصوّراً لوزيرة الهجرة المصريّة، نبيلة مكرم، في أثناء حضورها لقاءً مع أفراد من الجالية المصريّة في كندا، وقد أثارت عبارةٌ قالتها الوزيرة، مترافقة مع إشارة بيدها، حفيظة معارضين كثيرين لنظام عبد الفتاح السيسي، ففي معرض حديث الوزيرة عن مدى حضور مصر في وجدان وقلب كلّ مصريّ أينما حلّ، قالت إنّ من يتفوّه بكلام مسيء لمصر سيكون مصيره التقطيع، مع إشارة من يدها أمام رقبتها تماثل عمليّة جزّ العنق، في تعبير مجازيّ معروف عن فعل القتل أو التهديد به.

يُلفت النظر إلى أنّ أصوات حضور كثيرين قد تعالت بالضحكات، تعبيراً عن تأييد أصحابها موقف الوزيرة. وهذا يدلّ ، بشكل أو بآخر، على أنّ جمهور الحاضرين كانوا في أغلبيّتهم من مؤيّدي نظام الحكم الانقلابي في مصر. وبغضّ النظر عن المعنى المباشر لهذا الكلام الصادر عن موظّف في أعلى مستويات السلطة، موفدٍ بشكل رسميّ لحضور فعاليّة ثقافيّة، تقيمها الجالية المصريّة في بلد أجنبي، فإنّ الخلفيات التي تشي بها، إذا ما أخذت ضمن سياقها الفعلي، أكبر وأعمق دلالة وتعبيراً عن هذا النظام الحاكم في مجمل تفاصيله وآليات عمله وطرائق تفكيره.

ليس مستبعدا على نظام عسكري أمنيّ انقلابي، فاقد للشرعية الدستوريّة والشعبيّة، متّجه بتسارع شديد نحو الدكتاتوريّة الفرديّة، أن يلجأ إلى عمليّات اغتيال معارضيه في الخارج. وعلى الرغم من أنّه لم يُسجّل سابقاً على أنظمة الحكم المتعاقبة في مصر قيامها باغتيالات خارجيّة لمعارضين لها، إلّا أنّ ذلك لا يمنع من تلمّس وجود نهج جديد قد يتّبعه النظام الحالي.

بات من شبه الثابت في وسائل الإعلام المصريّة، بعد انقلاب السيسي، سماع عمليّات التحريض الصريح والعلني ومشاهدتها وعلى الهواء مباشرة على قتل المعارضين، والتهمة جاهزة دوماً بأنهم من الإخوان المسلمين، وأنّ قتلهم حلال، بل واجب مفروض. ومثالا على ذلك، كرّر الإعلامي محمّد الباز عبر شاشة التلفزيون مرّاتٍ تحريضه على قتل المعارضين للنظام، ومنهم أيمن نور ومعتز مطر ومحمّد ناصر، وكل قيادات الإخوان المسلمين والمعارضين للنظام بالجملة.

استخدام المسؤولين المصريّين من قمّة رأس هرم السلطة وحتى أصغر موظف فيها عبارات تدمج بين مفاهيم الوطن والدولة والنظام ليس أمرا عابرا، فشرعنة إلغاء الآخر المختلف أو المعارض لا يمكن أن تمرّ بهذه البساطة قبل شيطنته أولاً، وقبل تكريس صورة نمطيّة عنه بأنّه الشرّ المطلق الذي لا يتصوّر أن يأتي منه الخير أبداً. لن يكون أمام الساعين إلى ذلك طريقة أفضل من اتّهامه بالعداء للوطن والدولة، وبالتالي سيكون العداء للنظام تحصيل حاصل.

عندما يستخدم أعلى هرم السلطة في أي بلد عبارات قاطعة الدلالة، في الإشارة إلى العنف، وسيلة لإسكات المعارضة، كما دأب على ذلك كلٌّ من عبد الفتاح السيسي وبشّار الأسد في خطاباتهما ولقاءاتهما الصحافية، سيكون من الطبيعي أن يحذو حذوه المسؤولون الأدنى درجة، بل سينتقل الأمر تلقائياً إلى الموظفين العاديين في مؤسسات الدولة التي أصبحت، أو في طريقها إلى أن تُصبح، مؤسسات النظام الحاكم، نتيجة السياسات التسلّطية للحكّام الديكتاتوريين.

وكما استخدم السيسي سلطة القضاء المفترض أنّها مستقلّة عن السلطة التنفيذية، وكما استطاع من خلال جزء منها، المحكمة الدستورية، الحصول على الشرعية لانقلابه، وكما استخدم المحاكم لتنفيذ عمليات اغتيال المعارضين تحت شعار تطبيق القانون، وكما استخدم الإعلام لشيطنة خصومه، والتحريض عليهم، بهدف قتلهم معنويّاً إن لم يكن جسدياً، فإنّه يذهب بعيداً إلى استخدام كل طاقة ممكنة، بما فيها وزراؤه، لإيصال رسالة واضحة إلى كلّ من يفكّر في الخروج عن الطاعة.

قد تكون كلمات وزيرة الهجرة المصرية عفويّة أو مقصودة، لكنّها في الحالتين تجسّد التعبير الصريح عن الأجواء السائدة في المنظومة الحاكمة، من هو معنا له أن يفعل ما يشاء، ومن هو ضدّنا له السكّين وحزّ الرقاب. وكما كان يعبّر حافظ الأسد في جلساته الخاصّة عن عقليّة إقصائيّة لا مثيل لها في قوله "من أراد سُلطة أعطيناه، ومن أراد جاهاً وهبناه، ومن لم يُرد أياً منهما فله القبر أو السجن". يعبّر السيسي عن المنهج وطريقة التفكير نفسيهما بأقواله وأفعاله، وبسلوك مرؤوسيه وموظفيه على جميع المستويات، إنّه زمن الإرهاب.