العدد 1332 / 10-10-2018

بقلم: د. صالح النعامي

على الرغم من أن اندلاع مواجهة شاملة لا تخدم مصالحهما، إلا أن كل المؤشرات تدل على أن إسرائيل وحركة حماس تسلكان مساراﹰ يقود إلى هذه المواجهة، بعد تراجع فرص انجاز اتفاق تهدئة يسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع.

ولعل أهم مركب من مركبات بيئة التصعيد بين حماس وإسرائيل يتمثل في تعدد الأطراف المؤثرة في مسار التهدئة وتضارب مصالحها وتعارض المحددات التي تضبط مواقفها.

فمن ناحية نظرية، تجاهر القيادات السياسية ومحافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب بأن اندلاع مواجهة مع حماس، ليس فقط لن تفضي إلى تحقيق أي هدف إستراتيجي لإسرائيل، بل إن هذا التطور يمكن أن يقود إلى توريطها في قطاع غزة لأمد بعيد في ظل تعاظم مخاطر حالة انعدام اليقين على الجبهة الشمالية، لا سيما بعد تفجر الأزمة الحالية مع روسيا وإصرار إيران على مواصلة التمركز عسكرياﹰ في سوريا.

لكن إسرائيل تقف أمام ثلاث معضلات رئيسة تقلص من قدرتها على المضي في مسار التهدئة، حيث إن تل أبيب تعي أن الوفاء بالكثير من متطلبات تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع يتطلب تعديل اتفاقية باريس الاقتصادية التي توصلت إليها إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لكي يتم السماح باقتطاع جزء من عوائد الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة وتحويلها كمرتبات لموظفي قطاع غزة.

وفي ظل رفض رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) مسار التهدئة، فإنه لا يمكن للسلطة أن تقدم على أية خطوة من شأنها أن تسهم في انجاز التهدئة.

من ناحية ثانية، تبين أن هناك خلافا جديا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بشأن الشروط الواجب توفرها في مسار التهدئة. ففي الوقت الذي تتحمس هيئة أركان الجيش لإنجاز مسار التهدئة مع حركة حماس، فإن جهاز المخابرات الداخلية «الشاباك» يرى أن مصلحة إسرائيل تكمن في أن يتم منح التسهيلات الاقتصادية للغزيين بعد عودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة، على اعتبار أن تحسين الأوضاع الاقتصادية في ظل وجود حكم حماس يرسل برسالة مفادها أن إسرائيل تخضع للقوة فقط ، حيث إن الطرف الذي يمارس «العنف» هو الذي يجني المكاسب، بينما الطرف الذي يرفض العنف، ويواصل التعاون الأمني، يتم المس بمكانته، كما قال يورام كوهين، الرئيس السابق لـ «الشاباك».

إلى جانب ذلك، فقد برزت الاعتبارات الداخلية كمعيق أمام تحرك للمساعدة في انجاز التهدئة، حيث إنه على الرغم من تحمس الأغلبية الساحقة من الوزراء في حكومة نتنياهو لمسار التهدئة مع حماس، إلا أن الموقف الرافض والمثابر الذي عبر عنه وزير التعليم نفتالي بنات، الذي يرأس حزب «البيت اليهودي»، المتدين، أحرج ممثلي اليمين الآخرين في الحكومة، وهو ما أفضى إلى تقليص حماس بعض الوزراء المؤثرين، ولا سيما وزير الحرب أفيغدور ليبرمان الذي قال مؤخرا إنه لم يكن يؤيد التوصل لتهدئة مع حركة حماس.

من ناحية ثانية وتحت ضغط عائلات الجنود الأسرى لدى حركة حماس، اضطر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مؤخرا للالتزام العلني بعدم التوصل لاتفاق تهدئة دون أن يشمل حل ملف الأسرى والمفقودين الإسرائيليين لدى حماس.

في الوقت ذاته، فإن تهاوي مستوى ثقة حركة حماس في نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كوسيط مع إسرائيل قلص إلى حد كبير من رهان الحركة على الجهود التي تبذلها القاهرة لإنجاز التهدئة.

فإصرار نظام السيسي على تطبيق اتفاق المصالحة الوطنية وعودة السلطة إلى قطاع غزة قبل التوصل لمسار التهدئة فسر في غزة على أنه تجسيد كلاسيكي لموقف نظام السيسي الرافض لوجود حركة حماس في القطاع على اعتبار أنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين.

وفي حماس يحاججون بأنهم لا يرفضون تطبيق المصالحة ولا يعارضون عودة السلطة، بل ينادون أن يتم ذلك بناء على اتفاق المصالحة الذي رعته القاهرة.

لكن لو تم نظريا تجاوز الموقفين الإسرائيلي والمصري، وتم بالفعل التوصل لمسار تهدئة في ظل رفض قيادة السلطة الفلسطينية له، فإن هذا لن يحول أيضا دون انفجار مواجهة شاملة بين حماس وإسرائيلي.

ففي حال طبق عباس تهديداته بفرض رزمة جديدة وكبيرة من العقوبات على القطاع، فإن الأثر السلبي لهذه العقوبات سيتجاوز الآثار الإيجابية التي يمكن أن تنجم عن الإجراءات التي سيتضمنها أي اتفاق تهدئة بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع.

إدراك الواقع المعقد دفع القوى الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة التي تدير حراك مسيرات العودة ورفع الحصار إلى تطوير مناشط هذه الحراك من أجل محاولة التأثير على الموقف الإسرائيلي ودفع تل أبيب للعمل لتجاوز المعيقات التي تحول دون التوصل لمسار التهدئة.

فنظرا لأن الكثير من المؤشرات دلل على أن إسرائيل مقبلة على انتخابات مبكرة الشتاء القادم بسبب الخلاف على قانون التجنيد، فإنه يمكن الافتراض أن نتنياهو سيكون معنيا بأن يتزامن الاستحقاق الانتخابي مع حالة هدوء أمني، حتى لا يؤثر ذلك على فرص الليكود بالفوز مجددا.