العدد 1458 /21-4-2021

مع مرور أيام اﻷزمة الحالية للوطن اللبناني تزداد ملامح اﻹنقسام وعوامله وتهدد وحدة الكيان اللبناني في الصميم . والجهات العالمية تتعاطى بشكل متوازي مع رئيس الجمهورية ميشال عون وحلفائه من جهة ، ومع رئيس الحكومة المكلف سعد الدين الحريري وحلفائه من جهة أخرى . وهذا اﻷمر لم يقتصر على العواصم الغربية اﻷوروبية والأميريكية وحسب بل إنه يشمل أيضا روسيا والصين كدولتين كبيرتين يشار اليهما بشرق الكرة اﻷرضية . ما استتبع إنقساما ديبلوماسيا واضحا وفاضحا في تعاطي دول العالم مع الجهات المسؤولة والمعنية في لبنان .

وقد حملت التطورات اﻷخيرة في الساحة المحلية اللبنانية إنفجارا للوضع القضائي الذي أصيب باﻹنقسام المستتر في سالف اﻷيام وبلغ هذا اﻹنقسام حدود العلنية والمجاهرة . وذلك من خلال الخلاف الحاد بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر اللذين نقلوا المواجهات السياسية الى الميدان القضائي فكان تيار المستقبل خلف المدعي العام التمييزي غسان عويدات ، وكانت المدعي العام في جبل لبنان القاضية غادة عون بيدق التيار الوطني الحر وسيفه القاطع . وقد أريد من هذا السيف أن يرد الهجمات عن رئيس الجمهورية والتي وصلت الى حدود إقدام بعض الدول الغربية الى تحميل مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة بشكل كامل الى الرئيس عون . في حين اعتبر جمع من السياسيين المعارضين للعهد أن القوة التي تظهر في أداء القاضية عون ناتجة عن غطاء سياسي رئاسي وعن ضوء أخضر لم يكن حاضرا عندما طرحت بعض ملفات الفساد التي تعود الى مسؤولين إداريين عونيين أوحلفاء لهم . وهذا ما يمكن إدراجه ضمن خانة الفساد اﻹنتقائي الذي يمكن الطعن بسلامته نتيجة عدم شمولية هذا السلوك القضائي المشهود .

وفي المقابل يرى البعض اﻵخر أن الملف التي تصر القاضية غادة عون على اﻹستمرار في توليه حساس جدا وهو يتصل بكشف المعلومات اﻷكثر أهمية وإثارة عن إخراج أموال المودعين من البنوك اللبنانية الى الخارج وهو ماشكل عاملا رئيسيا في تكوين اﻷزمة المالية الحالية التي يعاني منها اللبنانيون . ولا يمكن تمييع هذا الموضوع تحت عنوان عدم شمول نشاطات القاضية عون لملفات أخرى .

... ولأول مرة في التاريخ اللبناني يحتشد في الشارع مناصرين متناحرين قسم منهم يؤيد القاضية عون وقسم آخر يؤيد اﻹطاحة بها من خلال دعم ومساندة قرار المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات بسحب ملف شركة مكتف من يد المدعية العامة في جبل لبنان .

ثمة تطور سياسي كبير ولافت في إيحاءاته اﻹنقسامية ، تجسد في ردة فعل رئيس المجلس النيابي نبيه بري على زيارة وفد مرسل من رئيس الجمهورية ميشال عون الى قصر عين التينة للبحث في موضوع التفاوض مع إسرائيل حول ترسيم الحدود المائية ... وذلك عندما أعلم بسبب الزيارة فأجاب بأنه لا يريد أن يسمع شيئا في هذا الموضوع . والمعروف أن الرئيس بري كان هو الذي يتولى هذا الملف بشك كامل قبل أن يصبح في يد رئيس الجمهورية . وهذا بلا أدنى شك يعمق المأزق القائم في البلد ويزيد من حدته ويقود الى مآلات إنقسامية خطيرة .

أعتقد أن هناك إجماعا حاسما على أن بقاء القوى العسكرية واﻷمنية بمنأى عن هذا اﻹنقسام المدمر هو رهان اللبنانيين وأملهم في الحفاظ على وحدة الوطن المهدد بكل ما تعرفونه من الخلافات واﻹختلافات والتناقضات المتنوعة .

أيمن حجازي