العدد 1493 /29-12-2021

ضاق رئيس الجمهورية ذرعا بعلاقاته المضطربة مع الخصوم والحلفاء ، فأراد أن يقدم على خطوة رادعة من خلال ما سمي كشف المستور وقلب الطاولة وتسمية الأشياء بأسمائها وتحديد هوية المعرقلين والمعطلين . ومالت بعض القوى السياسية والجهات الإعلامية الى تحقيق أمنياتها بتفجير جسر العلاقة بين حزب الله من جهة والرئيس عون والتيار الوطني الحر من جهة أخرى ، إستنادا الى موقف تلك القوى والجهات القائل بأن مشكلات لبنان الحالية تقوم على ما انتجه التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر وتحديدا من خلال تفاهم مار مخايل الذي أعلن في السادس من شباط لعام ٢٠٠٦ .

ولكن حصيلة ما قاله وأعلنه الرئيس ميشال عون يوم الإثنين الماضي كان عاديا ، كرر فيه مواقف سابقة مع بعض التلوين الخفيف الذي لم يصل الى حدود تسمية أحد من الحلفاء ولا من الخصوم بالإسم بغية تحمليه مسؤولية ما في النكبات الحالية التي يعيشها الوطن . وتأكد للجميع أن العلاقة بين حزب الله والرئيس عون مستمرة ولو اعتراها بعض الضعف التكتيكي الذي لم يصل الى العمق الإستراتيجي المشترك حتى الآن . وان صفة الإستمرار في موجبات العلاقة بين الجانبين قائمة أقله حتى موعد الإنتخابات الرئاسية في خريف العام المقبل ... حينها قد تتوثق هذه العلاقة حول كينونة فخامة الرئيس جبران باسيل او تنتكس أو تنهار في حال ذهب حزب الله نحو خيار رئاسي آخر يدعى سليمان فرنجية . خصوصا أن شريك الثنائية الشيعية الممثل بحركة أمل يميل الى هذا الخيار منذ ٢٠١٦ ، فضلا عن أن العلاقة بين حزب الله ورئيس تيار المردة وثيقة وقد ولدت ونشات قبل ولادة ونشوء العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر . وهكذا عبر استحقاق الإثنين الماضي دون مفاجآت دراماتيكة تشي بإنقلاب ما ، علما أن رئيس التيار الوطني الحر كان قد وعد الجمهور والإعلاميين إثر صدور قرار المجلس الدستوري ، حول طعن التيار الوطني الحر بالقانون الإنتخابي بالكلام عن مآل العلاقة مع حزب الله بعد عيدي الميلاد ورأس السنة ، وذلك في ضوء تحميل باسيل للثنائي الشيعي مسؤولية عدم صدور قرار بالطعن من المجلس الدستوري . وقد اعاد الرئيس عون الأمور الى دائرة الحوار عبر عدة عناوين كان أبرزها الإستراتيجية الدفاعية وإضافة عنوان اللامركزية المالية الى اللامركزية الإدارية ما أعطى كلام الرئيس أبعادا غير تقليدية .

فاللجوء الى موضوع الإستراتيجية الدفاعية يمس بشكل مباشر حزب الله المعني الأول بموضوع المقاومة وسلاحها وأدوارها الإقليمية الأخرى المضافة الى موضوع الصراع مع الكيان الصهيوني . وقد أوحى طرح هذا الموضوع بأن عون والتيار الوطني الحر بات يشارك القوى السياسية المناوئة لحزب الله على الساحة اللبنانية بعض إعتراضاتها على دور حزب الله المحلي والإقليمي وإن كان من زاوية مختلفة للزاوية التي ينطلق منها أولئك المناوئين . وقد يترجم البعض هذا التطور في موقف عون والتيار الوطني الحر على أنه مجرد مسايرة للفريق الآخر وتحركاته الشعبية أو مناورة متأخرة لم تعد تجدي كما عبر أحد مسؤولي حزب القوات اللبنانية في حديث إذاعي . أما تطرق رئيس الجمهورية الى بند اللامركزية المالية فقد أثار مخاوف بعض السياسيين والإعلاميين الذين يرون فيه بندا ينطوي على طرح تقسيمي ينغمس فيه بعض عتاة الدعوة الى الفيدرالية . وحيث لا تسمح المساحة السياسية والجغرافية اللبنانية الى لامركزية مالية قد تستوجب لامركزية إقتصادية ينوء بها الوطن اللبناني .

لا يمكن توصيف الوضع السياسي الذي يعيشه رئيس الجمهورية إلا تحت عنوان العزلة الموشاة بالتحرشات المتكررة التي اقدم عليها جبران باسيل حيال حزب الله ، أما إقدام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالرد على الرئيس عون في اليوم التالي فإنه دليل آخر على هذه العزلة ... فرئيس الحكومة رفض الدعوة الى إنعقاد الحكومة في ظل مقاطعة المكون الشيعي تحت عنوان الحفاظ على ميثاقية هذه الحكومة ودستوريتها . العزلة ... العزلة ... هي عزلة يعيشها رئيس الجمهورية في شكلها السياسي ، وعزلة يعيشها الشعب اللبناني بأكمله عن الوصول الى الحد الأدنى من حقوقه المتوجبة . أستغفر الله .

أيمن حجازي