العدد 1507 /6-4-2022

ماذا يعني أن يطلق نائب رئيس الحكومة، سعادة الشامي، تصريحاً تلفزيونياً ولا يقع ضمن اختصاصه وصلاحيته ويقول إلى الدولة اللبنانية والمصرف المركزي اللبناني قد أفلسا، ويُدخل لبنان في دوّامة أو أزمة إضافية والبلد والحكومة المتعثرة على مشارف إنجاز اتفاق بالأحرف الأولى مع صندوق النقد الدولي لتأمين موارد مالية للدورة الاقتصادية؟!

ماذا يعني أن يقوم مسؤول بهذا الموقع بإثارة الشكوك أو الهواجس حيال الوطن، حتى لو كان واقع البلد من الصعوبة التي لا تخفى على أحد؟!

عندما تحدّث نائب رئيس الحكومة في مقابلة تلفزيونية عن إفلاس الدولة والمصرف المركزي دون اعتبار للمسؤولية الملقاة على عاتقه هل كان يدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه كرجل دول؟ أم أـنّه ليس من رجال الدولة الذين يتحركون تجاه الوطن والمواطنين في مثل هذه الظروف انطلاقاً من مسؤولياتهم.

إفلاس الدول وفق ما هو متعارف عليه يعني وصولها إلى حالة لا تستطيع فيها دفع ديونها الداخلية والخارجية، ولا دفع رواتب موظفيها، ولا الاستيراد من الخارج لعدم القدرة على الدفع، وهذا معظمه أو بعضه على أقلّ تقدير لم تصل إليه الدولة اللبنانية بعد على الرغم من الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي تمرّ بها، فهي ما زالت تدفع رواتب الموظفين في القطاع العام بشكل منتظم وإنْ كانت قيمة الليرة اللبنانية انهارت بشكل كبير. وهي ما زالت توفّر بعض الخدمات الأساسية أو تموّل وتدعم بعض السلع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ولو بمستويات أو نسب بسيطة. وهي ما زالت إلى الآن تخوض عبر الحكومة مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول منه على تمويل للدورة الاقتصادية وإنْ كانت المفاوضات لم تصل بعد إلى نتائج لأنّ الحكومة إلى الآن لم تلب ِ شروط صندوق النقد الدولي. فضلاً عن ذلك فإنّ مسؤولية إعلان إفلاس الدولة تقع بشكل رسمي وأساسي على مجلس الوزراء اللبناني مجتمعاً وليس على وزير فيه، وللمناسبة فإنّ نائب رئيس الحكومة في لبنان ليس له أيّة صلاحية مستقلة بخلاف حتى الوزراء الذين لهم صلاحيات مستقلة نسبياً في وزاراتهم، فما هي الحكمة من تجاوز نائب رئيس الحكومة صلاحيات مجلس الوزراء وإعلان إفلاس الدولة والمصرف المركزي ؟ وهل يدخل ذلك في إطار تهديد أمن الدولة أو تعريضه للخطر؟ أم ترى هو مجرد تصريح أتي في سياق التجاذب السياسي اللبناني الذي غالباً ما يخوضه المسؤولون من دون أدنى اعتبار لمسؤولياتهم الوطنية؟

الجميع يدرك في لبنان ويعلم أنّ حجم الأزمة التي بلغها لبنان كبير جدّاً لكنّ لبنان ليس مفلساً إنّما فيه طبقة سياسية غير مسؤولة ولا تتمتّع بالحدّ الأدنى من الحسّ الوطني، لأنّها المسؤولة بشكل كامل عمّا آلت إليه الأوضاع بفضل السياسات المالية والاقتصادية التي اتبعتها، وبفضل منطق المحاصصة والمناكفة الذي ما زال حاضراً.

تصريح الرئيس الشامي يدخل أيضاً في إطار توتير البلد اقتصادياً على أبواب الانتخابات النيابية كجزء من محاولات تأجيل أو تعطيل الانتخابات، فضلاً عن ذلك فإنّه قد يكون جزءاً من الضغط من أجل الخضوغ لشروط صندوق النقد الدولي ومن بين تلك الشروط التوصّل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان مع شمال فلسطين المحتلة والقبول بالمقترحات الأمريكية التي حملها في آخر زيارة له إلى بيروت الوسيط الأمريكي هوكشتاين.

بغض النظر عن خلفية التصريح غير أنّه لن يساعد على اكتشاف الحلول للأزمة للبنانية ولن يساعد على الفلتان من الإفلاس، بل على العكس من ذلك فقد زاد الطين بلّة، وفاقم من حجم الأزمة الحياتية اليومية التي يعيش معها وفيها اللبنانيون مزيداً من القلق والخوف في حين هم أحوج ما يكونون إلى رجال دولة يحملون المسؤولية بجدارة لإخراج البلد من هذا النفق الذي يعيشون فيه، وتبقى مسألة مهمّة وأساسية وهي أنّ الانتخابات يجب أن تجري في وقتها، وأنّ لبنان الذي لم يفلس بعد على الرغم من الأزمة العميقة التي يعيشها بلد ليس للبيع بأي شكل من الأشكال حتى يأتي مسؤول في مثل هذا الموقع ويعرضه للبيع تحت حجّة الإفلاس.

د. وائل نجم