العدد 1532 /12-10-2022

عبد الرحمن أبو الغيط

تشهد عمليات المقاومة المسلحة في الضفة الغربية المحتلة تطورا نوعيا خلال الفترة الأخيرة، ومنذ مطلع الأسبوع الجاري قتل جنديان إسرائيليان وأصيب 3 آخرون في عمليتي إطلاق نار نفذها مقاومون في القدس ونابلس.

ووفقا لبيان جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقد قتل أحد جنوده يوم الثلاثاء في إطلاق نار قرب مستوطنة شافي شومرون في نابلس شمال الضفة الغربية، وقد تبنت مجموعة فلسطينية مسلحة -تطلق على نفسها "عرين الأسود"- مسؤوليتها عن إطلاق النار.

والسبت أطلق مقاوم فلسطيني النار من مسافة صفر على مجموعة من الجنود الإسرائيليين عند حاجز شعفاط قرب القدس المحتلة، مما أدى لمقتل جندية وإصابة 3 آخرين.

وتشهد الضفة الغربية ارتفاعا ملحوظا في أعمال المقاومة الفلسطينية بجميع أشكالها، فخلال شهر أيلول الماضي شهدت الضفة المحتلة 833 عملا مقاوما؛ تنوعت بين إلقاء الحجارة والطعن أو محاولة الطعن والدعس بالسيارات وإطلاق النار وزرع أو إلقاء العبوات الناسفة، وأدت لمقتل ضابط إسرائيلي وإصابة 49 آخرين بعضهم بجراح خطرة، حسب مركز المعلومات الفلسطيني "معطى".

وتصاعدت عمليات الاشتباك المسلح مع قوات الاحتلال، حيث بلغت عمليات إطلاق النار على أهداف تابعة للاحتلال 75 عملية، منها 30 عملية في جنين و28 في نابلس.

واستشهد وفق تقرير "معطى" 17 مواطنا، بينهم مقاومون في 6 محافظات مختلفة، 10 منهم في محافظة جنين وحدها، بينما أصيب 359 آخرون.

لكن أبرز ما يميز موجة المقاومة الحالية في الضفة هو اندماج مقاتلي حركتي حماس والجهاد الإسلامي مع مقاتلين من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح في مجموعات مسلحة موحدة، ومن أبرز تلك المجموعات "كتيبة جنين" في مخيم جنين ومجموعة "عرين الأسود" وكتيبة "مخيم بلاطة" في نابلس.

وشكل ظهور هذه المجموعات تطورا جديدا في المشهد السياسي في الضفة الغربية والتي غابت عنها المظاهر المسلحة منذ أن أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما في 26 يونيو/حزيران 2007 بحظر كافة المليشيات المسلحة والتشكيلات العسكري.

وعلى مدار سنوات شنت أجهزة الأمن التابعة للسلطة حملة اعتقالات واسعة طالت مئات المقاومين الفلسطينيين التابعين لحركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى العشرات من أفراد الأجهزة الأمنية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي تهيمن على السلطة الفلسطينية.

ويقول صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إن مجموعات عرين الأسود تضم المجاهدين من كل الاتجاهات والفصائل الفلسطينية وهدفها مقاومة الاحتلال، مؤكدا أن بشائر الانتفاضة الجديدة بالضفة قائمة ومن صورها وحدة القتال في الميدان.

ويضيف العاروري "لا يمكن حسم المعركة مع العدو إلا بالمقاومة المسلحة والتضحيات، وأشكال المقاومة متنوعة ومتصاعدة، ففي عام 2020 نفذت 29 عملية إطلاق نار، وفي عام 2021 نفذت 191 عملية، ومنذ بداية عام 2022 حتى اللحظة نفذت 472 اشتباكا وعملية إطلاق نار، وهذه الأرقام تشكل هاجسا للاحتلال وأعوانه".

ويعتبر العاروري انضمام عناصر من السلطة للمقاومة واستشهاد بعضهم "يدلل على نهج حركة فتح المقاوم، أما أرباب التنسيق الأمني الذين يلاحقون المقاومين فلا يمثلون فتح"، معتبرا أن رفع السلطة الفلسطينية يدها عن المقاومين سيجعل أيام الاحتلال معدودة.

بينما يرى النائب الفلسطيني حسن خريشة أن الوضع في الضفة يتجه إلى انتفاضة مسلحة، وأن الاحتلال يعيش حالة من القلق والارتباك نتيجة تصاعد عمليات المقاومة ردا على جرائمه.

ويعتقد خريشة أنه "كلما زادت المقاومة على الأرض زادت معها عزلة القيادات المتنفذة في السلطة عن الشارع الفلسطيني، لا سيما أن السلطة غائبة عن المشهد وما زالت تراهن على المفاوضات التي لن تجدي نفعا".

ويقول الباحث الفلسطيني محمود جرابعة إن المواجهات الشعبية والعمليات المسلحة في الضفة الغربية لم تتوقف منذ معركة سيف القدس بين المقاومة الفلسطينية في غزة وقوات الاحتلال الإسرائيلي في أيار 2021، فلا يكاد يمر يوم دون اشتباك بين الناشطين الفلسطينيين وجنود الاحتلال أو المستوطنين في الضفة الغربية.

ويعتقد الباحث الفلسطيني أن كافة الاحتمالات لا تزال مطروحة في الضفة الغربية، لا سيما أن توسع اعتداءات الجيش والمستوطنين على الفلسطينيين، يدفع في اتجاه التصعيد.

ويقول الباحث في العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية عبد الله العقرباوي، إن الضفة الغربية تشهد بلا شك تصاعدا في نوعية وعدد الفعل المقاوم، وذلك بالنظر لفشل إستراتيجيات الاحتلال خلال 15 سنة في قمع المقاومة الفلسطينية، وبالعكس فقد ساهم توسع الاستيطان وانتهاكات الاحتلال في القدس في جذب المزيد من الشباب للالتحاق بالمقاومة.

ويشير العقرباوي في تصريحات للجزيرة نت إلى أن أجيالا جديدة من الشباب الفلسطيني دخلت في سلسلة من العمليات المقاومة، وهذا يعني أن مستقبل المقاومة في الضفة الغربية يسير في مسار تصاعدي وليس على أبواب الضبط.

ويضيف أن عملية "كسر الأمواج" وهي آخر ما أنتجه الاحتلال من تكتيكات عسكرية لإجهاض موجات المقاومة في الضفة، باتت تقف عاجزة عن تقديم حل شامل لتصاعد العمل المقاوم، فهي وإن كانت تنجح في عمليات الاعتقال أو الاغتيال فإنها لم تزل غير قادرة على تحييد الأخطار والتهديدات وتحديد نوعية الشباب التي تلتحق بالمقاومة والمناطق التي يخرجون منها والبيئات التي تدعم المقاومة.

ويسلط الضوء على أن جزءا كبيرا من الأجيال الفلسطينية الشابة غير مؤدلجة بأديولوجيات تقليدية، وإنما تقوم بفعل مقاوم من منطلقات وطنية وكرد فعل على جرائم الاحتلال، وهذه الأجيال لم تخضع لعمليات كي الوعي المستمرة وكذلك لم تخضع لعمليات ملاحقة أمنية مما يسهل قدرتها الحركة.

أضف إلى ذلك -والكلام للعقرباوي- أن الضفة الغربية تشهد حالة من الهشاشة السياسية والأمنية، فلم تعد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أو أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية قادرة على السيطرة على جميع المساحات في الضفة الغربية، وبات هناك عدة بؤر خارجة عن سيطرة السلطة وينتشر فيها السلاح وتحتمي فيها المجموعات المقاومة، مما خلق بيئة حاضنة للمقاومة الفلسطينية.

ويؤكد أنه إذا استمر هذا الوضع سنكون أمام وضع نضالي متفوق على الوضع في الانتفاضة الأولى والثانية، وستصبح المستوطنات والحواجز الأمنية الإسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية أهدافا سهلة للمقاومين الفلسطينيين.

أما فيما يخص كيفية تعامل المقاومة مع التنسيق الأمني وملاحقات أجهزة السلطة الأمنية للسلطة الفلسطينية، يقول العقرباوي "بلا شك فإن هذا الموضوع من أهم المواضيع الضاغطة على المقاومة في الضفة".

ويضيف للأسف الشيد لا تزال السلطة الفلسطينية تصر على خيار التنسيق الأمني والتعاون مع الاحتلال في مستويات متعددة تبدأ بتقديم معلومات للاحتلال إلى تنفيذ عمليات دهم إلى تنفيذ اعتقالات، كان آخرها اعتقال المطارد والمطلوب رقم واحد للاحتلال مصعب اشتية من نابلس.

وتابع "هذا السلوك من السلطة يقابله قرار من المقاومة بعدم نقل المعركة لتصبح اشتباكا داخليا وعدم استخدام السلاح في وجه أفراد الأجهزة الأمنية، لذلك ستظل حالة التنسيق الأمني سيفا مسلطا على رقاب المقاومين".

لكنه يشير إلى أن وجود العديد من البؤر والمناطق غير الخاضعة تماما لسيطرة السلطة في الضفة، سيساهم في توفير الحماية والمساحة المناسبة لحركة المقاومين بسهولة.

ويشدد العقرباوي على أنه كلما تصاعدت حالة الغضب الشعبي في الضفة، أصبح من الصعب على أجهزة السلطة مواصلة التنسيق الأمني، الأمر الذي قد يدفع الاحتلال للتخلي عن خدماتها، وبالتالي ستصبح في وضع صعب بين الشعب الساخط من تصرفاتها وبين قوات الاحتلال.