العدد 1488 /24-11-2021

د. عدنان أبو عامر

شكلت عملية القدس تحولًا واضحًا في هجمات المقاومة على الأهداف العسكرية والاستيطانية الإسرائيلية، بسبب موقعها الجغرافي الأهم، وهو القدس المحتلة، محور الصراع الأساسي مع الاحتلال، وطبيعة السلاح المستخدم، وتعدده بين الناري والأبيض، وشخصية المنفذ، فادي أبو شخيدم، عالم الدين، الذي ربط حبه للأقصى بافتدائه بروحه، وهي أعظم درجات الحب والتضحية.

جاء تنفيذ عملية القدس قرب باب السلسلة ليطرح أسئلة تتعلق بإمكانية دخول الهجمات الفدائية طورًا جديدًا، وتفتح الباب واسعًا على فصل جديد من المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية، بين الفعل ورد الفعل، مع أنه منذ اندلاع العمليات الفلسطينية ضد الاحتلال في السنوات الأخيرة شكلت سمتها الأساسية أنها فردية، ودوافع تنفيذها شخصية، ومنفذوها شبان صغار وفتيان، وسلاحها المستخدم السكاكين، بعيدًا عن إطلاق النار، إلا نادرًا، ما دفع الإسرائيليين إلى تسميتها "انتفاضة الوحيدين"، لعدم وجود جهات منظمة تقف خلفها.

لكن ما شهدته مدينة القدس من تنفيذ عملية جديدة ضد الاحتلال تبدو مغايرة للسمات الواردة أعلاه، فالمنفذ عالم دين متعلم دخل العقد الرابع من عمره، وتنكر بزي مستوطن للاقتراب من هدفه، وسلاحه ناري موجه، ما قد يستدعي أمن الاحتلال لإعادة تصميم "البروفايل" الخاص بمنفذي الهجمات.

صحيح أن عملية القدس تشكل تطورًا طبيعيًّا للرد على جرائم الاحتلال المتصاعدة، لكن عند تنفيذ هذه العمليات يتخذ القرار فيها بصورة ميدانية، فيتحرك المنفذ اعتمادًا على السياسة العامة القائمة على مقاومة الاحتلال بكل السبل، وأي مجموعة تبادر إلى تنفيذ عمليات كهذه لا تأخذ إذنًا من أحد، وغير مطالبة بانتظار قرار من أي مستوى في أي تنظيم، رغم أن حماس تبدي فخرها بأن يكون أبو شخيدم أحد رجالها في الخندق الأول في مواجهة الاحتلال.

لقد سببت عملية القدس ذعرًا ساد الإسرائيليين، لأنها وقعت في ذروة استنفار أمني، وصدور تحذيرات من تصعيد الفلسطينيين هجماتهم، وانتقالهم من عمليات الطعن والدعس الفردية إلى مرحلة تكون الهجمات أكثر تنظيمًا وأشد تأثيرًا، ولعل مسارعة القوى الفلسطينية بعد ساعات من العملية إلى مباركتها، والترحيب بها تعطي انطباعًا بأنها نتيجة متوقعة لاستمرار قتل الجيش الفلسطينيين، واقتحامات المستوطنين المسجد الأقصى.

بعد الإدانات السياسية والاستنفار العسكري الصادرين من الاحتلال؛ من المتوقع أن تشرع أجهزته الأمنية في التحقيق لتحديد هل عملية القدس فردية أم منظمة، مع الضغوط الأمنية السائدة بالضفة الغربية، وما تخوضه حماس من صراع أدمغة مع الاحتلال، فلا تبنت العملية الكامل، رغم إشادتها بها، ولا تنصلت منها، مع مراقبة الاحتلال من كثب جهودها للدفع بقوة لتنفيذ مزيد من العمليات لإشعال الضفة والقدس، استمرارًا لهبة مايو.