العدد 1433 / 21-10-2020

ذهب رئيس النظام السوري بشار الأسد، أبعد من وفده في عرقلة برنامج أعمال اللجنة الدستورية، إذ أقحم نفسه باختصاصات وتفويض اللجنة رغم تملص نظامه من الاعتراف بأن وفده ممثل للنظام أساساً خلال أعمال اللجنة، وإصراره على أنه "يمثل الدولة السورية"؛ ما يعطيه صبغة وطنية "حيادية" لا يكون فيها طرفا من أطراف الصراع، ويتيح للنظام التملص كذلك من المخرجات في حال لم توافق رؤيته واستمراريته.

وقال الأسد، في مقابلة مع قناة تتبع لوزارة الدفاع الروسية، إن تركيا والدول الداعمة لها، "غير مهتمة بعمل اللجنة الدستورية بصورة بناءة"، وأن مطالبها "تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها، وهذا ما تشهده مناطق ودول كثيرة تفرض عليها واشنطن دساتير تدفع بها إلى الفتنة والفوضى وليس إلى الاستقرار"، مضيفاً أن نظامه "لا يقبل هذا المنهج ويرفض التفاوض حول قضايا تخص استقرار سورية".

وبما أن اللجنة الدستورية، أو عملية صياغة دستور جديد للبلاد، تعد إحدى الخطوات في اتجاه تحقيق الاستقرار، في طريق تمضي فيه قوىً دولية لإنهاء الصراع المستمر منذ حوالي تسع سنوات وكلف سورية مئات آلاف الأرواح من سكانها ومئات مليارات الدولارات من خسائرها الاقتصادية؛ فلا بد أن الأسد يحاول دق مسمار في نعش اللجنة، وهو الذي قبل بالمشاركة بها مرغماً إثر الضغوط الدولية على حليفته روسيا. غير أن اللجنة تسير بخطوات أكثر من بطيئة بسبب تعمد وفد النظام المماطلة بمناقشة المضامين الدستورية وإدخال مواضيع غير دستورية إلى جدول الأعمال، وقبل ذلك عرقة إطلاق عمل اللجنة حوالى عامين.

وفي حين يبذل المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، جهودا لجمع أطراف اللجنة في جولة رابعة من أعمال الدستورية، التي كانت مقررة بشكل مبدئي في الثالث من الشهر الحالي، لبداية بحث مضامين دستورية واضحة بعد أن فشلت الجولات الثلاث الماضية بتحقيق تقدم في هذا الجانب، حين فرض النظام رؤيته بتكريس مناقشة ما وصفها "الثوابت والركائز الوطنية"؛ يحاول النظام تعطيل جهود بيدرسون باختلاق الخلافات والترويج لها.

في المقابل، أشارت مصادر من داخل وفد المعارضة للجنة الدستورية، بأنه لم يصل إليهم أي كتاب رسمي بخصوص تأجيل الجولة، سواء من الأمم المتحدة أو مكتب المبعوث الأممي، غير أن الجولة لم تعقد في توقيتها، وكذلك لم يعلن بيدرسون عن موعد جديد.

أن موسكو أخبرت بيدرسون برغبتها في الحفاظ على مسار اللجنة الدستورية. ووفق المصادر، فإن بيدرسون أجرى محادثة مع الجانب الروسي أخيرًا، في محاولة للحصول على ضغط على النظام من أجل إحراز تقدم في المباحثات الجارية حول جدول أعمال الاجتماعات المقبلة، خصوصاً أن النظام يُصرّ على إبقاء جدول أعمال الجولة الثالثة حاضراً في الاجتماعات، والذي يتمثل في مناقشة "المبادئ الوطنية" أو "الهوية الوطنية".

وبحسب المصادر، فإن روسيا أكدت لبيدرسون أنها "ستحاول إقناع النظام بإظهار ليونة أكثر في المباحثات الجارية حيال جدول الأعمال"، داعية المبعوث الأممي إلى "عدم فقدان الأمل في التوصل إلى جدول أعمال توافقي بين الأطراف"، مؤكدة "عدم رغبتها أو نيتها في أن يتم تعطيل هذا المسار".

وعلى هامش الجولة الماضية من أعمال الهيئة المصغرة للجنة الدستورية، أشار الرئيس المشترك للجنة عن النظام أحمد الكزبري، إلى "ضرورة التوافق على المبادئ الوطنية قبل الانطلاق إلى المبادئ الدستورية، وأهمها احترام سيادة ووحدة واستقلال أراضي الجمهورية العربية السورية، وهو مبدأ وطني سامٍ"، وفق تعبيره. لافتاً إلى أنه "لا يمكن إنجاز الدستور في مدة زمنية قصيرة"، وأن وفده "حريص على السير في هذه العملية وفق مراحل دقيقة ومنهجية، وليس القفز مباشرة إلى الصياغة"، ما يشير إلى إمكانية ذهاب النظام للمرواغة بجولات تستغرق أشهراً وربما أعواماً في مناقشة مقدمة الدستور قبل الدخول في المضامين الدستورية، وتلك سياسة أثبتت نجاعتها بالنسبة له في مسار جنيف التفاوضي الذي لا يزال معلقاً إلى الآن.

وخريف العام الماضي، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل اللجنة الدستورية بعد حوالي 18 شهراً من ولادة فكرتها خلال مؤتمر سوتشي أو ما عرف بـ"مؤتمر الحوار الوطني السوري" بداية عام 2018. وعقدت الهيئة الموسعة من اللجنة اجتماعها الأول في 30 تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته، قبل إحالة المناقشات إلى "الهيئة المصغرة". وتضم الهيئة الموسعة 150 عضواً، 50 عن كل قائمة من القوائم الثلاث، النظام والمعارضة والمجتمع المدني، فيما تتألف الهيئة المصغرة من 45 عضواً، 15 عضواً عن كل قائمة.