العدد 1406 / 25-3-2020

مع إشتداد المعاناة البشرية من أزمة فيروس الكورونا ، إنصرفت الساحة السياسية اللبنانية عن الشؤون السياسية التقليدية وعن الهموم المعتادة التي ألفها المواطن اللبناني في الأعوام الأخيرة . وبات الحراك الشعبي الذي انطلق منذ السابع عشر من تشرين الأول الماضي خامدا ومتراجعا ، بعد أن طغت الكوروناعلى كل الإهتمامات وبات ذلك الفايروس موازيا لحرب عالمية ثالثة في لائحة خسائره البشرية اليومية العالمية ، وفي تداعياته الإقتصادية والمالية والسياسية والإستراتيجية أيضا .

و بات المواطن اللبناني قلقا من قساوة وفداحة المشاهد العالمية القادمة من العديد من العواصم الأوروبية المنكوبة بعاصفة الكورونا . حيث تتنقل هذه المشاهد بين روما ومدريد وباريس ولندن وتتشظى في نيويورك وكاليفورنيا حيث الإدارة الأميريكية ترزح تحت وطأة رزمة من الهموم المتشعبة والمتنوعة التي أربكت أداء مهمات تلك الإدارة . أما خارج أوروبا وأمريكا فإن الصين وإيران تحملا أعباء كبيرة في هذه الأزمة ، ومكنت بكين من إثبات قدرات علمية وتنظيمية وإدارية هائلة لمواجهة حرب الفايروس الذي يتم البحث العلمي عن مصدره الحقيقي . وتبدو باقي دول العالم تتهادى في السير نحو عمق الأزمة بشيء من الإعتدال ، مع تفاوت مميز بين تلك الدول الآسيوية أو الإفريقية او الأميريكية الجنوبية المتباعدة وفق الموقع الجغرافي أو الأهمية السياسية إذا سلمنا جدلا بفرضية الحرب البيولوجية التي تختار الدول المستهدمة إستنادا الى أهميتها السياسية .

وقد ذهل العالم بالدور الإنقاذي الذي تلعبه الصين في مد يد العون الى العديد من الدول الأوروبية والآسيوية المتضررة ، الى جانب الإعجاب بالقدرة العلمية والتنظيمية والإدارية لمواجهة كارثة الكورونا . ويحمل الدور الصيني الإنقاذي أبعادا سياسية كبرى تشير الى تنامي دور الصين السياسي والإقتصادي في مستقبل العالم ، خصوصا بعد أن وصلت مفاعيله الإيجابية الى دول أوروبية كبرى كإيطاليا وإسبانيا . في ظل تخلٍ أميركي واضح ووقح عن أوروبا وعلاقات دولها مع واشنطن التي ميزت بريطانيا في مواقفها ما يؤكد الدور الأميركي الساعي الى إبعاد لندن عنأوروبا ودولها الحليفة .

ويرجح جمع من المراقبين والمحللين السياسيين في العالم أن علاقات الولايات المتحدة مع الكثيرمن دول العالم ستتأثر سلباً بالتطورات "الكورانية" ، حيث يفترض أن تتضرر مكانة الولايات المتحدة لدى العديد من الدول الحليفة لها أو لدى الدول ذات الثروات الطائلة التي كانت الولايات المتحدة الأميريكية تتفنن في نهبها والسيطرة على مقدراتها وثرواتها المميزة .

ثمة أمور كبيرة ستتغير بعد أزمة الكورونا على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية . وقد ترتب على إدراك هذه الحقيقة من قبل الساسة اللبنانيين ، ان عمّت موجة من الصمتوالترقب مواقف أولئك الساسة الذين يعكفون على دراسة خياراتهم الآنية والمستقبلية . وقد غابت من جراء ذلك المواقف السياسية المجلجلة والتصعيدية . وحتى التغريدات التوترية تراجعت لتفسح في المجال أمام تتبع البورصة اليومية لعدد المصابين في لبنان ولعدد الضحايا في العالم . دون أن ننسى أن البعض قد انغمس في تعيين المسافة القائمة بين إعلان التعبئة العامة من قبل مجلس الوزراء وبين حالة الطوارىء الذي أصر عليه البعض عل ذلك يحول دون السقوط بين براثن الكورونا المخلوق المجهري الذي أرعب العالم .

ايمن حجازي