العدد 1610 /24-4-2024
د. وائل نجم

للمرّة الأولى منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023 ـتاريخ انطلاق معركة "طوفان الأقصى" يضرب حزب الله ويستهدف مراكز قيادات الاحتلال في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث استهدف بطائرات مسيّرة يوم الثلاثاء (23/4/2024) قيادة لواء غولاني قرب مدينة عكا على الساحل الفلسطيني، ومواقع أخرى قرب مدينة حيفا، وبغض النظر إذا ما كانت هذه المسيّرات أصابت أهدافها أم لم تصب، أو إذا ما تمكّن الاحتلال من إسقاطها، غير أنّها فرضت معادلة ردع جديدة وأدخلت الرعب إلى قلوب المستوطنين المحتلين الذين رأينا من خلال الفيديوهات التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي كيف كانوا يفرّون من على الشاطىء وسط حالة من الذعر الشديد.

لقد شكّلت جبهة جنوب لبنان جبهة إسناد لجبهة غزة وبغض النظر عن حجم التأثير على تلك الجبهة سواء لناحية ردع الإسرائيلي ودفعه إلى التراجع في غزة من عدم ذلك. كما شكّلت جبهة الجنوب جبهة إشغال لقوات الاحتلال كان له تأثير واضح من خلال استنزاف جزء من قوات الاحتلال والمستوطنين في شمال فلسطين المحتلة.

غير أنّ الاحتلال راح يطوّر من مواجهته ويحاول أن يفرض معادلات وقواعد اشتباك جديدة مع لبنان من خلال توسيع دائرة اعتداءاته وعدوانه إلى مناطق بعيدة في العمق اللبناني في البقاع والجنوب وحتى في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومن خلال استهداف قطاعات مدنية كما في استهداف الصحفيين والمسعفين الصحيّين والأبنية المدنية. وقد احتاج هذا التطوّر العدواني في أداء العدو إلى ردّ يعيد الاعتبار للردع الذي كان قائماً ولقواعد الاشتاك التي كانت تحفظ الاستقرار النسبي وتمنع الأمور من الانزلاق نحو المواجهة المفتوحة والشاملة.

ولعلّ في استهداف حزب الله لمراكز قيادات الاحتلال في العمق الفلسطيني كما حصل في استهداف مركز قيادة لواء "غولاني" قرب عكا رسالة واضحة وجليّة برسم قواعد الاشتباك من جديد، وتكريس قوة الردع مرّة أخرى بحيث تصبح المعادلة بعد اليوم كما يلي: كلّما استهدف الاحتلال سيارات أو أهدافاً خارج منطقة المواجهة المعروفة (المنطقة الحدودية) فإنّ الرد سيكون أيضاً خارج المنطقة الحدودية (من جهة شمال فلسطين المحتلة) في العمق حيث قيادات ومراكز الاحتلال. ولكن السؤال الأساسي بعد رسالة الثلاثاء هل سيمتثل الاحتلال لهذه القواعد الجديدة؟ وهل سيرتدع عن توجيه ضربات معيّنة داخل العمق اللبناني؟ أم ترى سيستمر في نهجه الجديد وسياسته القائمة على "الإرهاب" وترويع المدنيين؟

يحاول الاحتلال دائماً أن التحلّل من أيّة التزامات مكتوبة أو مفروضة ويتطلّع دائماً إلى ممارسة سلوك غير منضبط ولا مقيّد بشيء، ولذلك سيحاول تجاوز محاولة فرض قواعد جديدة في المواجهة حتى تبقى له حريّة الحركة وتوجيه الضربات في أيّ مكان من لبنان، غير أنّ ذلك يتوقف أيضاً على قدرة حزب الله على توسيع دائرة ردّه على اعتداءات الاحتلال، وعلى نوعية هذا الردّ.

إنّ الردّ الذي قام به حزب الله على استهداف سيارة قرب عدلون بين صيدا وصور يدخل في إطار استعادة الردع وقواعد الاشتباك، غير أنّ ذلك أيضاً قد يدخل في حسابات الإسرائيلي ضمن التفكير بضرورة وضع حدّ لما يعتبره ويُعدّه خطراً محدقاً على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وبالتالي فإنّ ذلك قد يدفع البعض في قيادة الاحتلال إلى التفكير في مغامرة جديدة في لبنان تضاف إلى المغامرة الفاشلة في غزة خاصة وأنّ هذا البعض الإسرائيلي لم يعد لديه ما يحافظ عليه وبالتالي فقد يقوده الجنون إلى ضرب الجنوب علّ ذلك يخلط الأوراق ويفرض قواعد جديدة تخلّصه من الورطة التي أقحم نفسه بها في غزة.

د. وائل نجم