العدد 1347 / 30-1-2019
الدكتور وائل نجم


لا يخفى على أحد حجم الاستهداف والتضييق الذي يطال الحركة الاسلامية في معظم الأقطار العربية والاسلامية، لا سيما بعدما تصدّرت الحركة نتائج الانتخابات النيابية والرئاسية والبلدية في أغلب البلدان التي شهدت ثورات شعبية على الأنظمة الاستبدادية، أو بلدان ماسُمّي بـ "الربيع العربي" حيث يذكر الجميع كيف فازت الحركة الاسلامية في كل الاستحقاقات الانتخابية التي جرت في تلك البلدان، وحتى في غيرها، وقد جعلها ذلك في مرمى استهداف الثورات المضادة، والأنظمة الأخرى التي خافت على نفسها من السقوط والانهيار، فدعمت تلك الثورات المضادة، واستخدمت مختلف الأساليب لضرب الحركة الاسلامية، وثنيها عن التقدّم لحمل مشروع إنقاذ الأمة واستعادة الكرامة للشعوب.

لبنان لم يكن بعيداً عن هذه الأجواء، وهو المعروف تاريخياً بأنه الساحة التي يجد فيها كل حرّ مجالاً للتنفّس بحرية. ولذلك جرى العمل الحثيث حتى لا تظلّ هذه الساحة تمثّل رئة يتنفّس فيها الأحرار، خاصة في زمن القمع والقهر الذي مورس على الشعوب الثائرة، ومن هنا عانت الحركة الاسلامية في لبنان من حصار وتضييق على مدى السنوات الماضية التي سادت فيها محالات الثورات المضادة الإجهاز على "الربيع". إلا أن التوازنات القائمة في البلد، والانقسامات الحادة بين أطرافه، تركت مجالاً مقبولاً لتظلّ الحركة الاسلامية تتحرك في هامش تلك التوازنات والانقسامات بين هذه الأطراف، وهو الشيء الذي لم يسمح بأن يتمّ التعامل معها كما جرى في بلدان أخرى، دون أن يعني ذلك أن محاولات حصارها وتهميشها لم تحصل، بل ما زالت مستمرة حتى الساعة.

في كل الاستحقاقات الانتخابية التي جرت طيلة السنوات الماضية، بلدية ونيابية ونقابية وغيرها، جرت ممارسة نوع من الإقصاء والحصار على الحركة الاسلامية، وتعرّضت لحملات إعلامية مركّزة في أكثر من محطة أرادت أن توجد نوعاً من "الفوبيا" من هذه الحركة حتى لا يتم الاقتراب منها، بحجة أنها مدروجة على قوائم الارهاب في أكثر من بلد عربي، فغُيّبت وأُقصيت وهُمّشت وحوصرت مالياً، حتى أن أحد المراجع الكبيرة في البلد، وخلال فترة الانتخابات النيابية، تدخّل مع أكثر من طرف سياسي ضاغطاً حتى لا يتم التحالف مع الحركة، في حين كانت مراجع وأطراف أخرى تشنّ على الدوام حملات تشهير بحقها وتخويف منها. ولكن على الرغم من كل ذلك فإن الحركة الاسلامية في لبنان صمدت، وتجاوزت الكثير من القطوع، بل وقطعت الطريق على الذين أردوا أقصاءها فأثبتت أنها رقم صعب في المعادلة الداخلية اللبنانية على الرغم من كل أنواع الحصار والتضييق، كما أثبتت أنها عصيّة على التطويع أو الذوبان.

أمس , أثبتت الحركة الاسلامية في لبنان أنها ما زالت بخير، فهي على الرغم من كل محاولات ضربها وحصارها والتضييق عليها وصولاً إلى ما هو أعقد من ذلك، أثبتت أنها ما زالت تحترم أنظمتها وآلياتها التي تعمل وفقها، وتجدد قيادتها على الدوام. لقد انتخبت الحركة خلال الأسابيع الماضية، ووفق القواعد المعمول بها، مجلس الشورى الذي يعدّ أعلى سلطة فيها، وجرى الانتخاب بكل سلاسة وسهولة. ويوم الأحد الماضي (27/1/2019) انتخب مجلس الشورى المنتخب من الأعضاء العاملين في الحركة ( الجماعة الاسلامية)، انتخب الأمين العام، وهو أعلى موقع قيادي في الحركة، وجدّد وفق الآليات المعمول بها والأنظمة الداخلية، وعبر عملية الانتخاب للأستاذ عزّام الأيوبي، في موقع الأمانة العامة ( بحسب بيان مكتبها الإعلامي). ومن المقرر أن يجري تشكيل بقية مواقع القيادة وفق الأنظمة خلال الأيام والأسابيع المقبلة، وكل ذلك يجري في الحركة الإسلامية على الرغم من أجواء الحصار والتهويل والإقصاء، في حين أن بقية الأحزاب والقوى السياسية التي تتغنّى بالديمقراطية وتداول السلطة، نجد أنها تجدّد أو تمدد لقياداتها التاريخية التي ورث بعضها القيادة عن آبائه وأجداده، وورّثها بعضهم الآخر لأبنائه وأحفاده، فيما بقية قليلة ما زالت تمارس الانتخاب الحر وتجدد قياداتها عبر الانتخاب وفي طليعتها ومقدمتها الحركة الاسلامية في لبنان.

لقد جهدت الحركة الاسلامية في لبنان خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم من أجواء الحصار والتضييق والتخويف، كي تأخذ دورها الطبيعي والطليعي في ساحتها اللبنانية، فتقدّمت بمشروع "رؤية وطن" للساحة الوطنية، وهو سيكون محور العمل خلال الولاية الجديدة للقيادة المنتخبة لتأكيد الشراكة الكاملة على الساحتين الاسلامية والوطنية. كما بذلت الحركة الاسلامية الكثير من الجهود لتوحيد الصف الإسلامي في لبنان ضمن رؤية واحدة يتكامل بها الجميع ويحافظون من خلالها على الدور والوجود، والقيادة الجديدة ستعمل على استكمال هذا الجهد على الرغم من الصعوبات التي تكتنفه. كما بذلت الحركة الكثير من الجهد لقطع الطريق على أي فتنة طائفية أو مذهبية، بل أكثر من ذلك شكّلت في بعض الأوقات ضمانات حقيقية لمنع الانزلاق إلى هذا الأتون، والقيادة الجديدة ستظل مستمرة في هذا التوجّه قناعة منها بأهمية قطع الطريق على أية محاولات تستنزف واقعنا وتحوّله إلى محرقة. وكبيرة ستظل الطموحات بقدر التحدّيات التي تواجه ساحتنا. باختصار يمكن القول إن الحركة الاسلامية في لبنان، أمام حجم التحدّيات التي واجهتها، ما زالت بخير وقد أنجزت ما أنجزت من انتخابات خلال الأسابيع الماضية، ليظل التحدّي أن تبقى الأمل في ساحة تبحث عن منقذ.

د. وائل نجم