العدد 1371 / 24-7-2019
أواب إبراهيم

لم تعد القضية متعلقة بقرار إداري صادر عن وزير العمل تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. فتأييد جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر وقبله حزب الكتائب للقرار يكشف عن وجود خلفية طائفية لتطبيقه، ويسعى لمعاملة اللاجئ الفلسطيني كأجنبي، عليه الحصول على إجازة عمل لمزاولة أي مهنة يزاولها. الأمر إذاً لايتعلق بتنظيم العمالة في لبنان، ولا بمواجهة صفقة القرن، بل بالحرص على التضييق على الفلسطينيين وقبلهم السوريين، لتطفيشهم تجنباً للمزيد من الخلل الطائفي الحاصل.

الراية التي يرفعها هؤلاء لتبرير إجراءاتهم العنصرية بحق الفلسطينيين هي رفض التوطين، ودعم حق العودة، وهي راية يتشارك برفعها جميع اللبنانيين وان اختلفت الدوافع والمبررات. هو موقف اتُخذ منذ وصول أول لاجئ فلسطيني الى الاراضي اللبنانية عام 1948، ومنذ ذلك الحين لم تتم مراجعة هذا الموقف، علماً أن الظروف تغيّرت، والأحوال تبدّلت.ربما تكون المخاوف المسيحية من توطين الفلسطينيين مازالت قائمة ومنطقية، ولكن ماذا عن مخاوف المسلمين؟ هل إذا تم توطين الفلسطينيين في لبنان ومنحهم الجنسية، هل سيؤثر ذلك على القضية الفلسطينية وهل سيضرّ بحقهمفي العودة؟ هل من المجدي أن تستمر معاناة الفلسطينيين والتضييق عليهم والإساءة إليهم تحت شعار حق العودة؟ ألا يستحق الفلسطينيون بعد مرور أكثر من سبعين عاماً على نكبتهم أن يعيشوا بكرامة؟ لماذا نتمسك بشعارات لم تعد مجدية ولاتؤتي الغاية منها؟ هل فعلاً رفض التوطين يساهم بدعم القضية الفلسطينية أم أنه يسيء إليها ويضيّق على أهلها؟ لماذا لا ننظر للنموذج الأردني وكيفية تعامله مع القضية؟ فقد تم منح الجنسية الأردنية للفلسطينيين وباتوا مواطنين كغيرهم، ودخلوا الندوة البرلمانية واحتلوا المناصب العليا في الدولة، رغم ذلك مازالوا متمسكين بفلسطين، يدافعون عنها في كل المنابر، ولم يشكك أحد بوطنيتهم.

ما المشكلة بأن يتم منح الجنسية للفلسطينيين في لبنان، وأن يصبحوا مواطنين كبقية اللبنانيين، يتشاركون معهم في كل الحقوق والواجبات، ويتم تشريع وجودهم وعملهم، ويكونوا مؤثرين في السياسة والاقتصاد والمجتمع. فهل من المنطقي أن يتم تغييب شريحة واسعة من المقيمين على أرض لبنان -هم الفلسطينيون- عن التمثيل في الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية؟.

أدرك أن مشروع التوطين لن يمرّ في لبنان، بسبب دقة وضعه الديمغرافي، فلبنان ليس الأردن , لكن فارقاً كبيراً بين عدم حصول التوطين فعلاً وبين عدم المطالبة به , فقد تكون هذه المطالبة مدخلاً لتحسين أوضاع الفلسطينيين ومخيماتهم على قاعدة أخف الضررين بالنسبة للبعض، فتحسين أوضاع الفلسطينيين سيكون خياراً مفضّلاً إذا ما كان الخيار المقابل هو توطينهم.

تبقى قضية هامة أخرى يجب الإشارة إليها ولن تعجب كثيرين. لاجدال في تمسك جميع الفلسطينيين بحق العودة كحق وكقضية، لكن من قال أن الفلسطينيين توقون للعودة إلى فلسطين فعلاً. لنفترض أن فلسطين تحررت غداً من الاحتلال الإسرائيلي وبات بإمكان الفلسطينيين المنتشرين في أصقاع الأرض العودة إليها، كم نسبة الذين سيعودون فعلاً؟ هناك آلاف الفلسطينيين الذين استحصلوا على جنسيات أجنبية تتيح لهم دخول الأراضي المحتلة والعيش فيها، لكنهم لم يفعلوا.ربما يأتون لزيارتها لكنهم سريعاً ما يعودون للبلد الذي أتوا منه. ربّ قائل أن السبب هو رفض الفلسطينيين العيش تحت الاحتلال. في عهد الرئيس محمد مرسي رحمه الله فُتحت أبواب قطاع غزة المحرّر، وبات بإمكان الفلسطينيين دخوله والاستقرار فيه لمن أراد. آلاف الفلسطينيين دخلوا غزة فعلاً، لوّحوا بيمناهمى بالكوفية وبيسراهم رسموا شارة النصر، ورقصوا على أغنية "راجعين راجعين شهداء بالملايين"، ثم ما لبثوا أن غادروا غزة وعادوا للأرض التي أتوا منها، وهذا شمل الذين تتحدر أصولهم من غزة نفسها.

إذاً حق العودة هي راية يجب التمسك بها وعدم التخلي عنها، كمدخل لإحياء القضية الفلسطينية وللمطالبة بإنهاء الاحتلال. ولا خوف على القضية الفلسطينية، فهي كانت وستبقى حيّة في قلوب أهلها أينما حلّوا او ارتحلوا حول العالم.

أوّاب إبراهيم