العدد 1408 / 8-4-2020

في بداية أزمة انتشار فيروس كورونا في لبنان، تندّر اللبنانيون حول عبارة "لاداعي للهلع" التي أطلقها وزير الصحة حمد حسن لطمأنة اللبنانيين ودعوتهم لعدم القلق. أيام قليلة مرّت قبل أن يسحب الوزير عبارته ويدعو اللبنانيين للهلع والخوف، لأن الفيروس بدأ ينتشر ويتسبب بوفيات.

قرابة شهر مرّ على موجة الهلع والخوف التي عمّت العالم بسبب انتشار فيروس كورونا، واللبنانيون كما كل العالم باتوا خبراء بكل ما يتعلق بالفيروس، وحفظوا عن ظهر قلب من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والأحاديث المتبادلة بينهم عوارض الفيروس ومخاطره وطرق الوقاية منه وأعداد المصابين به والدول المتصدرة وأعداد الذين تطلّب وضعهم في العناية المركزة والذين توفاهم الله، ومعلومات أخرى كثيرة بعضها صحيح ومعظمها لاعلاقة له بالصحة. معلومات وأرقام وإحصائيات ودراسات باتت الوجبة الرئيسية في وسائل الإعلام، دراسة تؤكد أن الفيروس يمكن أن ينتقل بالهواء، دراسة أخرى تنفي، دراسة تشير إلى إمكانية إصابة الأطفال بالفيروس، دراسة مقابلة تشكك، لكن ما هو مؤكد ولا شك حوله هو أنه لم يتم حتى الآن اكتشاف دواء للفيروس، والغالبية الساحقة من المصابين به لاتظهر عليهم أي أعراض، كما أن نسبة ضئيلة من الذين ظهرت عليهم الأعراض يحتاجون لعناية مركّزة، ونسبة أقلّ من ذلك هم الذين يتسبب الفيروس بوفاتهم، وهي نسبة تقل كثيراً عن نسبة الوفيات الناتجة عن الإصابة بالإنفلونزا العادية التي تصيب العالم كل عام.

لنعيد ترتيب المعلومات المبنية على مسلّمات وأرقام متفق عليها. نحن نتحدث عن فيروس لا علاج له، لا أعراض لمعظم المصابين به، تنتشر عدواه بشكل سريع جداً، تتطلب نسبة ضئيلة من المصابين عناية طبية مركزة، ونسبة الوفيات بسببه تقل عن الكثير من الفيروسات التي مرّت بالعالم خلال السنوات الماضية والتي سمعنا عن بعضها ولم نسمع عن بعضها الآخر. هنا يصبح لزاماً التساؤل: لماذا كل هذا الهلع، ولماذا أغلق العالم على نفسه وبات الناس يسجنون أنفسهم في منازلهم رعباً من فيروس نسبة خطورته تكاد لا تذكر إذا قورن بما سبقه من فيروسات، ولماذا ضحّت دول العالم باقتصادياتها وأقفلت مطاراتها وشلّت حركة مجتمعاتها، ولماذا تحوّلت قنوات التلفزة وشاشات الهواتف الذكية إلى خرائط حول البقع الجغرافية التي انتشر فيها الفيروس، وأرقام متناثرة حول أعداد المصابين وأعداد الوفيات. لماذا لا يتمّ الانتباه إلى أعداد المتعافين من الفيروس، ولماذا لا يتم التركيز على الذين مرّ عليهم بالفيروس دون أن يشعروا بأي أعراض، ولماذا صار فيروس كورونا محور اهتمام الكرة الأرضية، رغم أن الأضرار التي تنتج عنه لا تقلّ عن أمراض وأوبئة وفيروسات أخرى أصابت الملايين حول العالم وتسببت بوفاة عشرات الآلاف دون ضجة وهلع وارتباك كالذي نشهده اليوم؟!. لا أملك جواباً.

ما سبق ليس تشكيكاً بخطورة الفيروس، ولا إيماناً بنظرية المؤامرة، كما أنها ليست دعوة كي يتخلّى الناس عن إجراءاتهم الوقائية وحجرهم المنزلي والعودة للتصرف بشكل طبيعي، ولا دعوة كي تعيد الدول فتح مطاراتها واختلاط شعوبها، لكنها ببساطة دعوة إلى أنه "لاداعي للهلع". فالبشرية لا تملك من أمرها شيئاً، طالما أنه لم يتمّ التوصل لعلاج للفيروس، وطالما أن عدواه سريعة الانتقال، وطالما أن أضراره ليست كبيرة نسبياً. لذلك لا يملك الناس أكثر من الهدوء والرويّة والتقيّد بما يردده أطباء الأمراض الوبائية من غسل اليدين، باستمرار والحرص على التباعد الاجتماعي، وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة. فقد يصبح الفيروس قريباً منّا، وقد يصيب كثيرين من حولنا، لذلك لايجب أن تنعكس حالة الهلع التي يعاني منها البعض إلى مشكلة اجتماعية ونفسية للمصاب تُضاف إلى مشكلته الصحية.

فيروس كورونا تحدّ للبشرية لكنه ليس التحدي الأول ولا الأخطر، قد يكون الوحيد في العصر الحديث الذي سُلّطت عليه الأضواء بهذا الشكل وبات الشغل الشاغل للعالم. ساهم في ذلك انفلاش وسائل الإعلام وسهولة تداول المعلومات وتركيز ملفت من الدول الكبرى. ففيروسات أخطر مرّت على البشرية خلال السنوات الماضية لم يلقِ أحد لها بالاً، ربما لأنها أصابت دولاً فقيرة مهمشة، لم تجد قناة تلفزيونية مساحة ضمن برامجها لنقل ما يحدث فيها، ولم يتكبد طبيب عناء الحديث عن طريق الوقاية طالما أن هذا الحديث لن يكون مدفوع الأجر.

أوّاب إبراهيم