العدد 1381 / 9-10-2019
أواب إبراهيم

تناقلت وسائل الاعلام قبل أيام خبر صدور الحكم القضائي المبرم عن المجلس العدلي بجريمة اغتيال القضاة الأربعة : حسن عثمان، عاصم أبو ضاهر، وليد هرموش وعماد شهاب، الذين تم إطلاق النار عليهم وهم على قوس المحكمة بمدينة صيدا في 8 حزيران عام 1999. الحكم القضائي قضى بإعدام أربعة متهمين وتبرئة الخامس. المفارقة أن المتهمين الأربعة الذين حُكموا بالإعدام هم فارون من وجه العدالة، من بينهم الذائع الصيت "أبو محجن"، بينما المتهم الوحيد الموقوف هو الخامس الذي برّأته المحكمة.

حكم المجلس العدلي لقي ترحيباً وتصفيقاً من بعض المسؤولين، الذين اعتبروا أن الحكم الصادر يؤكد بأن العدالة تتحقق ولو بعد حين، وأنه "مابيصح إلا الصحيح"، وأن مآل العدالة أن تأخذ مجراها ولو تأخر ذلك 20 عاماً. لكن فات هؤلاء أن الحكم كشف كذلك عن ظلم كبير لحق بالموقوف الوحيد بالقضية واسمه وسام طحيبش، الذي برّأته المحكمة بعد مرور عامين من التوقيف، قضاها في سجن رومية , يمثل أمام المحكمة كل بضعة أشهر وحيداً وراء القضبان، يصرخ أمام القضاة ببراءته وأنه لاعلاقة له بالقضية، لكن لم يكن أحد يستمع إليه، إلى أن أكدت المحكمة بحكمها براءته، ولكن بعد ضياع سنتين من عمره قضاهما في السجن.

ليست الحالة الأولى التي يتم فيها توقيف متهمين تتبين براءتهم، ففي العمل القضائي كثيراً ما تحصل مثل هذه الأمور، فيلحق الظلم بأناس لم يكن لهم ذنب، وتظهر براءتهم. لكن ذلك يحصل بسبب ظهور أدلة جديدة، أو تكشف معطيات، أو اعترافات تكشف هذه البراءة. لكن المفارقة أن وسام طحيبش تمّ توقيفه عام 2009 أي بعد مرور عشر سنوات على جريمة قتل القضاة الأربعة للاشتباه بعلاقته بها بناء على اعترافات أحد الشهود، فتمّ التحقيق معه في سجن وزارة الدفاع طوال 41 يوماً مع ما صاحب ذلك من تعذيب، يقول طحيبش عن تلك الأيام أنه خرج من وزارة الدفاع كيوم ولدته أمّه، بعدما وضع كل حياته أمام المحققين، أفرج عنه بعدها لعدم ثبوت علاقته بالقضية. لكن بعد تسع سنوات على التحقيق معه، تمّ استدعاؤه مرة أخرى للمثول أمام القاضي، ليتم توقيفه عام 2017. السؤال: ما هي المعطيات التي ظهرت بعد مرور 18 عاماً على ارتكاب الجريمة، وهل يمكن أن تظهر بعد كل هذه السنوات أدلة جديدة تستدعي توقيف من سبق توقيفه والتحقيق معه، فالمتهمون الرئيسيون بالقضية فارّون، وبعض الشهود في القضية فارقوا الحياة، فما الذي يمكن أن يستدعي التوقيف بعد كل ذلك ودون توفر معطيات أو ظهور أدلّة؟!.

مظلمة وسام طحيبش لم تكن مغمورة أو خافية على أحد. فهو ظهر منذ قرابة عام في برنامج تلفزيوني مع أحد أشهر مقدمي البرامج وعرض قضيته أمام الرأي العام وطالب بإطلاق سراحه لأنه بريء، لكن أحداً لم يستمع إليه حينها، لتتكشف براءته بالحكم القضائي، بعد عامين من توقيفه.

في البرنامج التلفزيوني يشير طحيبش إلى قضية خطيرة. فخلال وجوده خلف القضبان تمّ التغرير بابنه الصغير (16 عاماً) والتحق بصفوف تنظيم داعش في سوريا وقتل هناك. يسأل طحيبش من يعوّضني ابني الذي فقدته وأنا خلف القضبان ظلماً، في الوقت الذي كان يجب أن أحميه، من يعوّض بناتي السنوات التي عشن وأنا غائب عنهن، من يعوّضني سنتين من حياتي قضيتهما في السجن والعالم كله يدرك أنني مظلوم؟!.

قبل فترة أثيرت قضية دخول كبار عملاء العدو الإسرائيلي الذي قتلوا أسرى لبنانيين في سجن الخيام إلى لبنان عبر المطار بمرافقة من كبار الضباط، بعدما تمّ تبييض صفحتهم القضائية. خطوة لاقت استهجاناً من اللبنانيين، فانبرى بعض النواب والمسؤولين للدفاع عن القتلة، وأن القانون يجب أن يأخذ مجراه بعدما سقطت جرائمهم بمرور الزمن، وهم الذين عذّبوا وقتلوا أسرى لبنانيين مازالوا على قيد الحياة.

في المقابل يخرج من يصفق لحكم المحكمة في قضية القضاة الأربعة ويعتبر أن العدالة أخذت مجراها.

أوّاب إبراهيم