العدد 1368 / 3-7-2019
أواب إبراهيم

حتى كتابة هذه الكلمات مازال وزير الخارجية جبران باسيل مصرّاً على زيارة مدينة طرابلس يوم الأحد المقبل. يأتي ذلك، رغم نصائح عمّه بإلغائها، ورغم كل الويلات والضحايا والتوترات والتشنجات التي ألحقتها جولاته السابقة، والتي كاد آخرها ان يتسبب بفتنة درزية درزية وإحراق الجبل.

خياران لا ثالث لهما، إما أن جبران باسيل بخلاف ما يوحي به للبنانيين من فطنة وذكاء ودهاء ومكر، هو في الواقع غبي، أعمى بصيرته السعي لتأمين وصوله إلى قصر بعبدا قبل انتهاء ولاية عمه، ولايدرك خطورة ما يقوم به , وإما أنه ينفذ أجندة خارجية تستهدف إحراق لبنان وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء واستعادة الحرب الأهلية. يبقى خيار نحاول إقناع أنفسنا أنه لاينطبق على باسيل، وهو أنه ليس غبياً ويدرك خطورة ما يقول ويفعل، لكن لامشكلة لديه في إحراق البلد إذا كان ذلك سبيلاً للوصول إلى قصر بعبدا.

ما يجب أن نسلّم به هو أن الأداء الذي يقدمه جبران باسيل في السياسة جديد على الحياة العامة، وهو شكّل نموذجاً جديداً للعمل السياسي. مستفزّ، عنصري، يصفه كثيرون بالكريه، يصرّح بالانفتاح ويمارس الانغلاق، يؤكد على علمانية حزبه ويكرّس طائفية بغيضة يدغدغ بها عقول مناصريه الذين مازالوا يعيشون أحلام المارونية السياسية. لايترك شاردة ولا واردة إلا ويبدي رأيه بها، في كل قضية له إصبع، وفي كل ملف له ورقة، رغم أنه فشل في معظم الملفات التي أمسك بها، من وزارة الاتصالات، إلى وزارة الطاقة وأخيراً وزارة الخارجية. خسر الانتخابات النيابية مرتين والبلدية مرة واحدة. الخطوة الناجحة الوحيدة التي قام بها وغيّرت مسار حياته، هي اقترانه بشانتال، ابنة الرئيس ميشال عون عام 1999.

المشكلة الأساسية التي ابتلى الله بها لبنان، هي أن باسيل أولاً صهر رئيس الجمهورية، الذي يعمل بهدوء ليجلس زوج ابنته على كرسيّه بعد ثلاث سنوات. ثانياً، أن باسيل يتبوّأ منصباً رسمياً هو وزارة الخارجية، وبالتالي هو يتمتع بموقع رسمي يغطي حركاته البهلوانية، ومواكبه المسلحة التي يقتحم بها الأزقة الضيقة في الأحياء والقرى والبلدات , في بشرّي وزغرتا والبقاع وعاليه. ثالثاً، باسيل هو رئيس الحزب المسيحي الأوسع تمثيلاً، ويحظى بقاعدة شعبية حقيقية على الأرض. صحيح أنه يعمل على الإرث الذي ورثه من عمّه، وصحيح أيضاً أن التيار الوطني الحر يشهد سلسلة استقالات وطرد لعشرات الناشطين والمؤسسين، لكن ذلك لاينفي حقيقة أن التيار مازال حزباً فاعلاً على الأرض، مدعوماً من رئيس الجمهورية. رابعاً، استغلّ باسيل الحلف الذي بناه عمّه مع حزب الله في وثيقة مار مخايل، ويستفيد من الغطاء الشيعي الذي يوفّره له. هذا لايعني أن حزب الله راض عن أداء باسيل، لكنه لايريد ضرب علاقته برئاسة الجمهورية طالما أن باسيل لايتخطى الخطوط الحمر التي وضعها الحزب. خامساً وأخيراً، هو حلف المصالح الذي نسجه باسيل مع الرئيس سعد الحريري، وهو الأمر الوحيد الذي فعله باسيل بجهده، مدعوماً من عمّه.

لامصلحة لأحد في الوصول الى حافة الهاوية التي يقودها جبران باسيل ويجرّ إليها لبنان. كما أن أحداً لايضمن أن لاتتسبّب تهوّراته الكثيرة في انزلاق البلد لحرب لا أحد يستطيع الإمساك بخيوطها. فقد كشفت أحداث الجبل الأخيرة أن البنية التحتية للحرب مازالت قائمة، وهي تنتظر المتعهد الذي يقوم بها. والرهان على الخارج لتهدئة النفوس وإصلاح ذات البين لم تعد واردة، فالمنطقة من حولنا مشتعلة، ولكل همومه ومشاكله وأزماته.

الخطاب الاستفزازي الذي يقدمه باسيل وجولاته الاستعراضية وضربه عرض الحائط بكل التقاليد والأعراف والخصوصيات الطائفية والمناطقية يلقى مؤيدين ومناصرين ومصفقين. وهذا منطقي. طبيعي، فلجنون دونالد ترامبمصفقون كثر، ولطيش محمد بن سلمان مصفقون كثر، لكن هذا لايعني أنهم على حق وأنهم لايجرّون العالم إلى الهاوية.

أوّاب إبراهيم