العدد 1547 /25-1-2023
د. وائل نجم

عادت نغمة الحديث عن الفدرالية في لبنان ترتفع من جديد في ظلّ انسداد أفق الحلول السياسية وتفاقم الأزمة الافتصادية وبلوغ الوضع العام والحياتي مبلغاً لم يكن معهوداً من قبل. وفي وقت جاهرت بعض الشخصيات والاتجاهات بطرح النظام الفدرالي في لبنان كحلّ للأزمة القائمة والمستعصية حالياً، لوّحت شخصيات واتجاهات بل قوى سياسية أخرى باللجوء إلى هذا الطرح فيما لو ظلّ الأفق السياسي مسدوداً أمام انتخاب رئيس جديد، وفيما لو تمّ فرض رئيس جديد بقوّة الأمر الواقع، وبرز في هذا السياق، للمرّة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية المشؤومة، الموقف الذي لوّح به رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تلميحاً وليس تصريحاً عندما تحدث عن خيارات مفتوحة لدى القوات، وفُهم من هذا الحديث إمكانية تبنّي طرح الفدرلة والذهاب به إلى الشركاء في الداخل وإلى المجتمع الدولي في الخارج. وكان قد سبق القوات إلى هذا الطرح منذ قرابة العام أو ربما أكثر التيار الوطني الحرّ عندما اقترح رئيسه جبران باسيل اعتماد اللامركزية الإدراية والمالية الموسّعة، وفُهم من ذلك في حينه أيضاً طرح مسألة الفدرالية في لبنان. والجدير ذكره أيضاً أنّه قيل إنّ الصرح البطريركي في بكركي استدعى مجموعة اقتراحات تركّز على كيفية الخروج من الأزمة في لبنان من بينها وفي أساسها طرح اعتماد النظام الفدرالي. ولكنّ السؤال البديهي الذي يطرح نفسه، هل الحلّ بالفدرلة أمام ما وصلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والعامة؟ أمّ أنّ تطبيق هذا النظام صعباً في لبنان، وبالتالي فهناك مخارج أخرى أقلّ كلفة وأفضل حالاً للبنانيين؟

الحقيقة أنّ الوضع الذي وصلت إليه الأوضاع من انسداد أفق العملية السياسية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية والحياتية في لبنان تدفع إلى البحث عن أيّ مخرج ممكن من هذه الأزمة، وفي عالم السياسة ليس هناك من محرّمات غير قابلة للبحث والمسّ. ولكنّ الحقيقية الأخرى التي لا تقلّ شأناً وأهمية أنّ اقتراح الفدرلة في لبنان لا يشكّل حلّاً حقيقياً للأزمة، بل هو سيكون مدخلاً لأزمات أخرى هذا إذا نجح اللبنانيون أو دعاة النظام الفدرالي في الاتفاق على شكل هذا النظام لأنّ العالم زاخر بأشكال متعددة من هذا النظام، وربما يكون لبنان فريداً في تركيبته التي لا ينطبق عليها أيّ نموذج من نماذج الأنظمة الفدرالية القائمة في العالم.

فالمعروف في لبنان أنّ أساس المشكلة باتت في مسألة التمثيل الطائفي في مؤسسات الدولة، بمعنى آخر أنّ النظام القائم حالياً هو نظام طائفي بامتياز، وأنّ المخارج التي تُطرح لأزمات لبنان غالباً ما تصطدم بجدار الطائفية، وعليه فإنّ أيّ اقتراح لأيّ شكل للفدرلة يجب أن يأخذ بالاعتبار الموضوع الطائفي والمذهبي بل يجب أن ينطلق منه، وفي ظل التداخل في الحياة العامة بين اللبنانيين يستحيل نجاح مثل هذا الطرح كما يستحيل العيش معه والتعامل فيه. فضلاً عن ذلك فإنّ الصراعات والخلافات القائمة تحت المعنى الطائفي والمذهبي حالياً ستنتقل إلى مربع إلى جزء فدرالي يمكن أن ينتجه النظام الجديد، وبالتالي تستولد الأزمات وتتناسل داخل كل مربع فدرالي جديد. هذا إذا اعتبرنا أنّ صيغة الفدرلة نجحت واقتنع بها الجميع.

إنّ الحلّ الحقيقي المتاح حالياً في لبنان وهو لصالح الجميع هو في حسن تنفيذ وتطبيق نصوص اتفاق الطائف لناحية العمل على إلغاء الطائفية السياسية وتشكيل مجلس الشيوخ الذي يتولّى تمثيل الطوائف، وتفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة بعيداً عن القيود الطائفية والمذهبية والحزبية والسياسية وذلك من خلال احترام والتزام مبدأ فصل السلطات واستقلالية القضاء بعيداً عن تدخّلات السياسيين، فضلاً عن حصرية سيادة الدولة على أراضيها من خلال حصرية السلاح الشرعي واعتماد استراتيجية دفاعية تستفيد من قدرة وخبرة المقاومة عبر تاريخها الطويل. وأنّ هذا الحلّ بيد اللبنانيين لكنّه يحتاج إلى قناعة كلّ الأطراف المعنية سواء في مقلب الداعين إلى الفدرلة أو الذين ما زالوا يفكّرون بمنطق المحاصصة أو أولئك الذين ما زالوا مسكونين بـ "هوس" الاستئثار.

د. وائل نجم