العدد 1603 /28-2-2024
د. وائل نجم

لم يعد يجدي الحديث عن حياد لبنان وطائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف في شمال البقاع في بعلبك وفي شمال وجنوب مدينة صيدا في جنوب لبنان، وفي عمق مدينة النبطية وسط الجنوب، وقبل ذلك في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت.

لم تعد الدعوة إلى الحياد تنفع وقادة الاحتلال الإسرائيلي يهددون بتحويل بيروت إلى رماد، وينشرون فيديوهات لمناطق لبنانية آمنة في عمق الداخل اللبناني ويزعمون أنها تضم أنفاقا ومنصات عسكرية، في وقت يدرك الجميع أن تلك المزاعم هي من قبيل التهديد والتخويف والزج بلبنان في أتون ما يجري.

لقد بات واضحا أن ما يجري من عدوان وحرب على غزة في فلسطين، بل على كل فلسطين، هي حرب يراد لها أن تشكل المنطقة من جديد، أو تكون مقدمة لتشكيل المنطقة من جديد وفق المصالح الإسرائيلية ومصالح الدول الداعمة ل "إسرائيل"، وعليه فإن هذا التشكل الجديد لن ينظر إلى مصالح لبنان أو غيره من الدول إلا بمقدار ما يتحقق ل "إسرائيل" وداعميها من مصالح، وبالتالي فإن من سيقرر النتائج لهذا التشكل الجديد هي القوى المشاركة أو الفاعلة والمؤثرة بالمشهد العام في المنطقة، وليس الذين يقفون على رأس التلة ينتظرون الفائز ثم ينضمون إليه. صحيح هؤلاء المنتفعون سيحصلون على شيء من الجائزة، ولكنها ستكون الفتات.

انطلاقا من ذلك لم تعد الدعوة إلى الحياد تنفع، ولا الحديث عنه له قيمة، فالزمن تجاوز ذلك، والميدان بات له اعتبارات أخرى. كما أن التلاوم ورمي الاتهامات يمينا وشمالا لم يعد يقدم أو يؤخر في المشهد، بل ربما على العكس قد يكون له تأثير سلبي أكثر منه إيجابيا. التركيز بعد اليوم يجب أن يكون على المستقبل. مستقبل المنطقة ومنها لبنان. التركيز والتفكير بشكل منطقي ومسؤول بعيد عن العواطف والاصطفافات وتصفية الحسابات الضيقة والخاصة. ومن هنا فإن اللبنانيين مدعوون إلى التفكير الجدي والحقيقي في كيفية الحفاظ على لبنان ومصالحه، وفي الصيغة التي تجنبه أن يكون "ضحية" على طاولة القوى الدولية ومعها الاحتلال الإسرائيلي، في حين أن المطلوب أن يكون قوة مؤثرة وصانعة للحدث الذي يحفظ دوره ومصالحه في المنطقة وهو يملك من القوة والتأثير ما يجعله قوة مؤثرة وفاعلة في المشهد ، لأن لبنان حتى لو أخرج نفسه من المشهد فإن الاحتلال وداعميه لن يخرجوه من المشهد ولا من تفكيرهم وأطماعهم وأحقادهم.

الحديث بعد اليوم عن الحياد، خاصة الحياد عما يجري في فلسطين هو نوعا من عدم رؤية الحقيقة، أو على أقل تقدير هو نوع من دس الرأس بالرمل على ما فعلته النعامة ذات يوم معتقدة أن الصياد لن يراها بعد ذلك، في حين أنها كانت تمارس نوعا من خداع الذات الذي لا يلغي الحقيقة ولا يغير من المشهد. اللبنانيون مدعوون إلى عدم خداع أنفسهم بعدم رؤية حقيقة ما تتجه إليه المنطقة أو التسليم للانهزام النفسي طمعا بالأمن الوهمي الذي سرعان ما ينكشف ويزول بعد أن يكون المشهد قد استقر على هيئة لبنان ليس جزءا من صناعتها.

د. وائل نجم