العدد 1479 /22-9-2021

أمّا وقد تمّ تشكيل الحكومة فهذا لا يعني أنّ الأزمة قد انتهت، وأنّ التحدّيات قد زالت. فالأزمة مستمرة بطرق متعدّدة وأوجه مختلفة، والتحدّيات تأخذ أشكالاً كثيرة وتتنوّع بتنوع طبيعة الحدث وتأثيراته، وبالتالي فإنّ البلد ما زال مفتوحاً على الأزمات من ناحية، وعلى مواجهة التحدّيات من ناحية أخرى، وقد يكون ذلك من شأن واختصاص الحكومة الجديدة، والتي لا بدّ أن تأخذ فرصتها لإثبات ذاتها وقدراتها على اجتراح الحلول قبل الحكم عليها، وعلى الرغم من أنّ تشكيلها خضع لمنطق المحاصصة في مكان، والابتزاز والمصالح الخاصة في مكان آخر.

على كل حال لندع الحكومة ونترك لها فرصة، ولنتحدث عن التحدّيات التي تواجه السّاحة الإسلامية بشقيها الملتزم أو المحافظ.

أول هذه التحدّيات يتمثّل بالاستحقاق الانتخابي الذي من المفترض أن يجري في أيار من العام المقبل. والمعروف أنّ القوى السياسة كافة باتت تركّز على هذا الاستحقاق وتعتبره الأولوية الأساسية الذي سينبثق عنه إعادة تكوين السلطة في البلد بعدما شعر الجميع أنّ محاولات الانقلاب على النظام السياسي القائم، أو تعديله، أو الذهاب إلى صيغة أخرى جديدة للبنان لم تكتمل أركانها وعناصرها بعد، وبالتالي فإنّ الجهد سينصب في المرحلة المقبلة ( الشهور المقبلة) على الاستحقاق النيابي حيث تبدأ منه عملية إعادة تكوين السلطة، بمعنى تشكيل حكومة جديدة تعكس حجم القوى، وتفرز أكثرية وأقلية، فضلاً عن أنّ المجلس النيابي الجديد سينتخب رئيس جديد للجمهورية، وبالتالي فرهان القوى المتصارعة التي لا تريد إلى الآن الذهاب بالبلد إلى الفوضى والمجهول هو على هذاالاستحقاق، وبالتالي فإنّ السؤال البديهي المطروح حالياً أمام هذا التحدّي هو كيف ستواجه السّاحة الإسلامية هذا الاستحقاق؟

النظام اللبناني هو نظام ديمقراطي برلماني بحسب تعريفه، غير أنّه أيضاً بات محكوماً بما يُعرف بـ "الديمقراطية التوافقية"، بمعنى آخر هو ائتلاف طوائف، وكل طائفة منه لها موقعها وحدودها الوظيفية ومناصبها في الدولة والمؤسسات، وصلاحياتها وغير ذلك، وبغض النظر عن الموقف من هذا النظام ومدى صلاحه أو فساده، غير أنّه اليوم هو الضامن للجميع ولو في إطار من التنافس والصراع الذي يمكن أن يفضي في لحظة من اللحظات إلى تبديل في الموازين أو إلى إخلال بالتوازنات، ومن هنا فإن السّاحة الإسلامية بمعناها المحافظ ستكون معنية بالحفاظ على موقعها في الدولة وفي هيكلة النظام السياسي وفي المؤسسات، وإلاّ فإنّها قد تجد نفسها وأتباعها خارج المعادلة الوطنية، وبالتالي يفقد هؤلاء ميزية المواطنية ويتحوّلون إلى مجرد رعايا.

السّاحة الإسلامية بمعناها المحافظ معنيّة اليوم في ظل التراجع الواضح لدورها وحضورها السياسية بالتفكير في كيفية الحفاظ على دورها وحضورها من خلال تحصين ذاتها وعدم إتاحة الفرصة لأيّة محاولة اختراق من أيّ نوع كان، والذهاب نحو إعادة النظر بعلاقاتها البينيّة من أجل مواجهة التحدّي والتصدّي لهذا الاستحقاق انطلاقاً من قاعدة أساسية مفادها أنّها مكوّن أساسي من مكوّنات البناء الوطني.

أمّا بالنسبة للسّاحة الإسلامية الملتزمة، ونحن نتحدث بشكل أكثر خصوصية، فإنّ هذه السّاحة معنيّة بالعمل من أجل سدّ النقص الذي أحدثته السياسات التي أفضت إلى تراجع الحالة السياسية التي كانت متزعمة بل ربما متفرّدة بقيادة الساحة المحافظة والعامة، وذلك من خلال سياقات تكاملية وليس على قاعدة التشفّي.

معروف أنّ هناك فراغاً نشأ بسبب تلك السياسات على مستوى السّاحة الإسلامية، والعمل الإسلامي يجب أن يتجه نحو تعويض ذاك الفراغ من خلال مبادرات جريئة، وسياقات حكيمة وبعيداً عن التفكير الآحادي أو الضيّق، فالتحدّي أكبر من ذلك بكثير، ومن المفيد أن تدرك السّاحة الإسلامية الملتزمة أنّ الآمال باتت معقودة عليها فلا ينبغي أن تضيف إحباطاً إلى إحباط الناس.

د. وائل نجم