العدد 1503 /9-3-2022

كلّما اقتربت المهل الدستورية للانتخابات النيابية من النفاد كلّما شعرنا بجدّية القوى السياسية والأطراف المعنيّة وحتى الأشخاص تجاه هذا الاستحقاق، وقد بدأ ذلك يظهر مع اقتراب موعد إقفال باب التقدّم للترشّح للانتخابات ليل الخامس عشر من آذار الجاري. عملياً لم يبقَ سوى بضعة أيام فقط أمام المرشحين من أجل التقدّم بطلبات ترشّحهم، ولذلك فإنّ الفتور حيال الترشّح خلال الفترة السابقة قد يتحوّل في الأيام المقبلة إلى حركة نشطة تجاه وزارة الداخلية للتقدّم بالطلب.

غير أنّ الشيء الأهم في سياق نفاد المهل الدستورية يبرز في المقاربة الجدّية للقوى السياسية وحتى الإقليمية والدولية المهتمّة للاستحقاق. فهذه القوى بدأت تشعر أنّ الانتخابات ستجري في وقتها دون تأجيل أو تعديل، وأنّ الفوز بها مطلب لكل فريق، بل هي مصيرية بالنسبة للبعض وتجديد للشرعية بالنسبة للبعض الآخر، ومحاولة لكسر الهيمنة للبعض الثالث، ومحاولة للتغيير ولو الجزئي بالنسبة للبعض الرابع وهكذا.

ومن الملفت أكثر أن القوى الإقليمية والدولية التي لا تظهر في الصورة الأولى تكاد تكون مهتمة ومتابعة ومواكبة للاستحقاق حتى أكثر من القوى المحلية التي يمكن أن يكون أكثر طموح بالنسبة لها هو الفوز بمقعد نيابي والتمتّع بعد ذلك بـ "جنّة" السلطة، في حين أنّ القوى الإقليمية والدولية تواكب هذا الاستحقاق من منطلق توفير مزيد من مقوّمات الدعم لمشروعها في المنطقة والذي يُعدّ لبنان في صلبه، وبالتالي فإنّ حساباتها تختلف عن حسابات بعض القوى المحلية.

آخر مظاهر هذا الاهتمام الإقليمي والدولي غير المنظور بالعين المجردة، بل الذي يمكن أن يشعر به الانسان أو يلحظه يبرز في محاولات بعض الجهات أو الشخصيات استنهاض الساحة السُنّية من أجل الانخراط في الاستحقاق بعدما ساد جو في بعض الأوساط أوحى أو ترك انطباعاً بأنّ السُنّة لن يشاركوا في الانتخابات على خلفية إعلان الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي له ولتيّاره في محاولة منه، كما يفيد البعض، لإعطاء انطباع لمن يعنيه الأمر أنّ حضوره يصنع الفعل وغيابه يعطل ويشلّ الحركة في البلد، غير أنّ هذا الانطباع يبدو أنّه في طريقه على التبدّد إذ أنّ العديد من كوادر ورموز المستقبل بصدد الاستقالة من التيار والانخراط في الانتخابات بشكل فردي آحادي، وهو ما أثار شهية رئيس الحكومة السابق، فؤاد السنيورة، للتقدّم نحو محاولة وراثة تركة الحريري، والعمل من أجل تجميع المستقيلين من التيار ومن ثمّ تشكيل لوائح انتخابية من بعضهم ومن شخصيات أخرى على قاعدة ملء الفراغ وعدم ترك الساحة فارغة، غير أنّ الإشكالية في هذا الموضوع كما يوحي بعض الرموز التي ما زالت مخلصة للرئيس الحريري أنّ هذا المسعى جاء على خلفية تشكيل لوائح في مواجهة ما تعتبره بعض القوى الإقليمية والدولية هيمنة على البلد من قبل إيران، وفي تماهي كامل مع هذه الرغبة كما توحي تلك الرموز من المستقبل وعلى وجه الأخص الرغبة الأمريكية التي تريد أن توتّر البلد وتستفيد من مشاكله لتوظفها في صراعاتها ومن أجل مصالحها كما هو حاصل حالياً في أوكرانيا، كما توحي هذه الرموز من المستقبل إلى أنّ الخطوة تأتي في سياق التماهي مع سياسات بعض الأنظمة والحكومات العربية في عملية التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وعلى قاعدة التفرّغ لمواجهة الخطر القادم من إيران على وجه الخصوص.

كما وأنّ مقاربة الاستحقاق عند البعض تنطلق من استكمال فرض الحصار على الحركة الإسلامية كجزء من الحرب عليها، أو استيعابها إذا لزم الأمر للإفادة من قدرتها وإمكاناتها ومن ثمّ توظيف ذلك في المشروع الخاص بتلك الجهات، ومن هنا تكمن أهمية وضرورة التنبّه لهذه المحاولات وقطع الطريق أمامها حتى لا يقع البلد كلّه في فخّ لطالما نجا منه في محطات كثيرة، ومن عنا يمكن القول إنّ الاستحقاق الانتخابي هو تنافس على مقاعد نيابية بالنسبة للكثير من القوى المحلية غير أنّه صراع مشاريع بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية التي تريد كلّ منها استعمال لبنان واللبنانيين وقوداً لمشاريعها.

د. وائل نجم