اواب ابراهيم

أكثر من مئة يوم مرّت على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. العهد ما زال في بدايته، وما زال أمامه متسع من الوقت للقيام بالكثير من الأمور، لكن كما مرت الأيام المئة الأولى بسرعة، فقد تمر السنوات الست بسرعة كذلك.
إيجابيات كثيرة رافقت وصول عون إلى سدّة الرئاسة، فهو جاء بعد شغور قرابة عامين ونصف، وعرقلة عمل مجلس الوزراء، وتخبّط في عمل مجلس النواب. لكن بعد انتخاب الرئيس عادت عجلة مجلس الوزراء للعمل بعدما بات الفريق الذي كان يعرقل هو نفسه الحريص على أن تسرع الحكومة في إنجاز الملفات التي تعني المواطن. فالانتخابات قريبة، وأصوات الناخبين عادت إليها الحياة، ومن مصلحة جميع الأطراف تأمين راحة المواطن والسعي لرفاهيته.
الإيجابيات التي رافقت انتخاب رئيس الجمهورية لا تنفي خيبات أمل كثيرة أصابت اللبنانيين. فالمواطن لم يشعر حتى اليوم بتغيير كبير في المشهد السياسي والأمني والاقتصادي. صحيح أن الأمور لم تزد استفحالاً، لكن لم يكن ذلك هو المأمول من العهد الجديد. فالوضع قبل انتخاب الرئيس كان مأساوياً على كافة الصعد، واستمرار الحال ليس منطقياً ولا مقبولاً. فعلى الصعيد الاقتصادي تبدو البطالة في تصاعد، والحديث الدائر حول الموازنة الجديدة يشير إلى فرض ضرائب جديدة وعدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي تهدد القطاعات العمالية بالإضراب والتظاهر إذا لم يتم إقرارها.
معالجة الأزمة التي حصلت بين قناة الجديد وحركة أمل ومناصريها كشفت للبنانيين أن الوضع الأمني كذلك ما زال على حاله، فالاعتداء الذي تعرضت له القناة التلفزيونية على مرأى ومسمع جميع اللبنانيين وفي مقدمهم الطبقة السياسية، يشي بأن الوضع ما زال على حاله من الانفلات الأمني والترهل القضائي. فكيف يستقيم أن تظهر على الشاشات وجوه مئات الأشخاص الذين يعتدون ويحطمون ويشتمون أشخاصاً وممتلكات على مرأى عناصر قوى الأمن والجيش، ثم بعد ذلك ينسحب المعتدون دون أن يجدوا من يسألهم عمّا فعلوه؟!
اختطاف المواطن سعد ريشا قبل أسابيع في منطقة البقاع مؤشر إضافي على ما أقول. فالرجل اختطف في وضح النهار من جهات معلومة للأجهزة الأمنية، واستمر اختطافه أياماً إلى أن تدخل رئيس مجلس النواب بوساطة عشائرية قبليّة حزبية لاتمت للقانون بصلة، بعيداً عن أي دور للدولة أو أجهزتها الأمنية. ووصل الأمر بالمخطوف أن يتوجّه بالشكر للخاطفين على حسن معاملتهم له. 
كل ما سبق اعتاده اللبنانيون وتعايشوا معه مُكرهين، لكن مالم يعتده اللبنانيون هو أن يطلّ عليهم رئيس جمهوريتهم وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة بتصريح يتحدث فيه عن ضعف الجيش اللبناني، وأن الدولة بحاجة لسلاح حزب الله للدفاع عنها. حديث رئيس الجمهورية نزل كالصاعقة على اللبنانيين الذين يدركون أن المؤسسة العسكرية ليست على ما يرام، لكنهم كانوا ينتظرون من رئيس الجمهورية أن يؤكد العمل على دعمها ومساندتها حتى تصبح على ما يرام، لا أن يجد في هذا الضعف تبريراً لتشريع سلاح خارج إطار الدولة لايدافع عنها بل يعتدي على شعب شقيق.
من الأمور التي تفاءل بها اللبنانيون بمجيء الرئيس، عودة المياه إلى مجاريها مع الدول العربية لا سيما دول الخليج، الأمر الذي كان متوقعاً أن ينعكس على القطاع السياحي. لكن من الواضح أن حلفاء الرئيس في حزب الله لا يشاطرون اللبنانيين هذا الحرص، فتجدهم يجددون في كل مناسبة عداءهم لدول الخليج ملوّحين ومهددين، ثم بعد ذلك تتفاجأ السلطة بغياب السياح.
في الأيام القادمة ينتظر رئيس الجمهورية استحقاق جديد هو القانون الانتخابي، فإما أن يساهم هذا القانون في تبييض صورة العهد إذا ما كان القانون عادلاً وممثلاً لأوسع شريحة من اللبنانيين حسب وعود الرئيس، وإما أن تعمل مباضع السياسيين بالقانون، فيقطعون وينسجون ويقصقصون الدوائر حسب مصالحهم الانتخابية، فيتغير القانون لكنه ينتج الطبقة السياسية نفسها، فيكون ذلك ضربة إضافية للعهد، وخيبة جديدة للبنانيين.