العدد 1524 /17-8-2022
أواب ابراهبم


بعيداً عن الاصطفافات الطائفية، فإن المناطق والمدن والبلدات والقرى اللبنانية ذات الغالبية المسيحية كانت "مولّعة" خلال أشهر الصيف، ومزدحمة بالحركة السياحية الناشطة. مهرجانات وحفلات ومعارض والكثير الكثير من الفعاليات السياحية المتنوعة. وقد شكلت هذه المناطق خلال الأشهر الماضية مقصد أغلبية المغتربين اللبنانيين، والكثير من السياح العرب، الذين وجدوا في هذه المناطق "لبنان" الذين يعرفونه ويتمسكون به وسمعوا به. لبنان الذي نشأوا على أنه سويسرا الشرق وعروس العرب والطبيعة الخلابة والشعب المضياف، والخدمات السياحية المتنوعة، والبحر والجبل.. مناطق ابتكر أبناؤها مناسبات من العدم، مهرجان التفاح، مهرجان التوت، مهرجان العسل، مهرجان التين، مهرجان النبيذ، مهرجان البيرة، مهرجان الصيف، مهرجان المغتربين، مهرجان الجوز.. وسخّروا في سبيل إنجاح هذه الفعاليات كل إمكاناتهم. وفي الوقت الذي كان معظم اللبنانيين ينامون في الظلام على بلاط منازلهم رغبة ببعض البرودة، كانت هذه المناطق تزدان بتيار كهربائي متواصل، وشوارع واسعة مضاءة.

في موضوع آخر لاعلاقة له بما سبق، شهدت عاصمة الجنوب صيدا قبل أيام معركة انتصر فيها الحق على الباطل، ونجح المحافظون من أبناء المدينة بالحفاظ على السمت الإسلامي للمدينة من خلال عرقلة وإلغاء مهرجان فني ضخم كان يجري الإعداد لتنظيمه على واجهة صيدا البحرية. تضمّن الحفل -حسب الإعلان- "فقرات غنائية وكوميدية، وألعاباً نارية، وعروضاً فنية". على مدى أيام استنفر علماء المدينة والغيارى من أبنائها، وشنّوا حملة على منظمي الحفل حملت عنوان "قبل أن تغرق المدينة"، وخُصّصت له خطب الجمع في المساجد، بهدف منع إقامة الحفل، بعدما عثر الغيارى على وسائل التواصل الاجتماعي على صور "غير لائقة" لإحدى المشاركات فيه.

نتيجة هذه الحملة تمّت ترجمتها بإعلان بلدية صيدا التي كانت راعية للحفل بسحب رعايتها، وأصدرت بياناً أعلنت فيه أنه "تداركاً للفتنة، ونظراً لأن الأوضاع لا تسمح في ظلّ الظروف، والوضع في غزة، وفي ظلّ التخوّف من تطوّر الأمر وحصول ما ليس في الحسبان، تقرّر رفض الحفل وسحب رعاية البلدية". كانت النتيجة أن الحفل الذي كان مقرراً على واجهة صيدا البحرية انتقل إلى منطقة تبعد كيلومترات قليلة عن المدينة، علماً أن المنظمين للحفل أكدوا أنهم يدركون طابع المدينة المحافظ، وأنهم سيراعون هذا الطابع بتقديم فقرات فنية تناسب ذلك، وإلزام المشاركين بالحفل ارتداء ملابس لائقة، لكن ذلك لم يكن كافياً لأصحاب الحميّة من أبناء المدينة، الذين لم يقبلوا سوى بإلغائه.

هي ليست المرة الأولى التي تثير فيها الفعاليات الفنية جدلاً كبيراً في صيدا. ففي عام 2017 أحيت المغنّية نانسي عجرم حفلة في صيدا، بحضور كبير للقوى الأمنية برّاً وبحراً بسبب حملات طالبت بعدم إقامة حفلات لأنهم اعتبروها مسيئة "للمناخ الإسلامي في المدينة". من بعدها لم يتجرأ أحد من الفنانين على إقامة حفل مشابه. أما الكثير من أبناء المدينة الذين يرغبون بالسياحة والاستجمام، فيذهبون للمنتجعات الممتدة من الرميلة إلى البترون، ويواظبون على المشاركة في المهرجانات الفنية والسياحية في مدينة جزين، القريبة من صيدا، التي كانت بدورها "مولّعة" خلال الصيف، وشهدت الكثير من الفعاليات السياحية.

يقول هؤلاء بأنه ليس لأحد أن يدّعي تمثيل جميع أبناء المدينة، وليس لفريق أن يحرم عاصمة الجنوب من تنظيم فعاليات سياحية لتنضم لغيرها من المناطق الأخرى، علماً أن في صيدا الكثير من المعالم والآثار والبنى السياحية الهامة الجاذبة للسياح. وإذا كان البعض متمسكون بطابع المدينة المحافظ، كان بإمكانهم التواصل مع منظمي الحفل والطلب منهم مراعاة هذا الطابع وهو ما كان منظمو الحفل منفتحين عليه. فإذا كان البعض حريصاً على مدينته فليبادر لتنظيم فعاليات سياحية مناسبة، لا أن يقتصر دوره على منع تنظيم فعاليات يجدها لا تناسبه. ومن أراد لصيدا ألا تغرق عليه أن يسعى لانتشالها.

ألغي الحفل، فارتاح الغيارى من أبناء المدينة وشعروا بنشوة الانتصار، وحافظت المدينة على سمتها المحافظ وطابعها الإسلامي. فاستمر غياب عاصمة الجنوب عن الخريطة السياحية، لتنضم إلى أختها طرابلس عاصمة الشمال.

أوّاب إبراهيم