العدد 1539 /30-11-2022
أواب ابراهيم

مثل كثيرين، سنحت لي فرصة حضور مباريات مونديال كأس العالم في قطر مباشرة من ملاعبها وليس من وراء الشاشة. هي تجربة ربما لن تسنح في المنطقة العربية والإسلامية مرة أخرى. فمنذ انطلقت مباريات كأس العالم عام 1930 لم يتم اختيار منطقة الشرق الأوسط ودولة عربية إسلامية لاستضافة البطولة.

الحضور المباشر لمباريات مهمة وضخمة بهذا الشكل تحمل في طياتها ميزات ومثالب. فمن يشجع منتخب بلاده، فإنه سيحرص على السفر من بلد إلى بلد، ويأتي من ما وراء البحار ليكون إلى جانب منتخب بلاده يشجعه في المدرجات ويهتف له ويرفع علمه، ويصبغ وجهه بألوان علم بلده. لكن من يتابع كرة القدم ويهتم بتقنياتها وطريقة اللعب في المنتخبات، ليس عليه الحضور إلى الملعب، بل مشاهدة اللعبة من وراء شاشة. خاصة أن الملاعب الضخمة التي أقيمت فيها مباريات كأس العالم والتي يتسع بعضها لثمانين ألف متفرج، بعض المدرجات بعيدة عن الملعب، ومن يجلس فيها يرى اللاعبين كحشرات تجري على الملعب، دون أن يستطيع التمييز بين لاعب وآخر. بل إنه قد يضطر لمتابعة المباراة من خلال شاشات ضخمة موجودة في جنبات الملعب.

من مثالب الحضور المباشر للمباريات أنك مضطر للجلوس على كرسي بلاستيكي، ضيق تحشر فيه قدماك جانب قدما من يجلس عن يمينك ويسارك. في حين أنك في منزلك تضطجع على كنبة، بين يديك كيش بوشار، وترشف من كوب كولا بين الحين والآخر، وتنتقل إلى قناة أخرى لمتابعة فيلم أو مسلسل، إذا كانت المباراة مملة وخالية من الفرص. أما في الملعب فأنت غير قادر على اختيار برنامج آخر، ولن تغامر بالمغادرة قبل نهايتها لأن الخروج سيكون صعباً.

حين تتابع مباراة كأس العالم من منزلك او من مقهى عند نهاية المباراة تنتهي الحكاية ويصبح بإمكانك متابعة حياتك والانتقال لشأن آخر. أما في الملعب، فعند نهاية المباراة تبدأ حكاية أخرى، وهي الخروج من الملعب وسط الازدحام والتدافع والمشي لمسافة كيلومترات، ولمدة تقارب ساعة، حتى تصل إلى حيث سيارتك أو حافلة تستقلها أو محطة مترو.

حين تكون في منزلك يشكل تعليق المعلق الصوتي جزءاً أساسياً من متعة متابعة المباراة، خاصة إذا كان أداء المعلق حماسياً، ويمتلك ثقافة ومعلومات وافية عن اللاعبين والفرق وقوانين اللعبة. هذه الميزة ترتبط بها ميزة أخرى تتعلق بفهم بعض مجريات المباريات التي تكون غير واضحة، كأن يصفر حكم المباراة ويوقف المباراة لسبب غير معروف. وهنا يأتي دور المعلق لشرح أسباب تصرف الحكم، وهي ميزة يفتقدها مشاهدو المباريات في الملعب.

من السلبيات المستجدة في الملاعب، أن لوثة وسائل التواصل الاجتماعي وصلت إلى الملاعب. فعوض أن يشاهد البعض مجريات لحظات تاريخية من مباريات مصيرية، كان منشغلا بتصوير نفسه "سلفي"، ونشر الصور على وسائل التواصل، والرد على تعليقات الأصدقاء.

ما سبق لا يعني تفضيل مشاهدة المباراة من وراء الشاشات على الحضور إلى الملاعب. فلا شيء يعادل هيصة الجمهور وحماسه وهتافاه وتصفيقه لمنتخب بلاده والفرحة والحبور والجنون الذي يعمّ المدرجات حين تسجيل هدف. كما أن المتعة لا تتعلق فقط بمشاهدة المباريات، بل إن التوجه للملاعب، رغم المشقة التي يتكبدها المشجع، هي رحلة بحد ذاتها، يلتقي خلالها بشعوب وأشكال من البشر لايمكن أن يلتقي بهم في أي مناسبة أخرى، قدموا من كل أصقاع الأرض لتشخص أعينهم نحو كرة تتقاذفها الأقدام.

أوّاب إبراهيم